الأربعون في الجهاد والاستشهاد-2-

 

(7)

من خير معاش الناس

 

عن أبي هريرة:

 

عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مِن خيرِ مَعاشِ الناسِ لهم، رجلٌ مُمسكٌ عِنانَ فرسهِ في سبيلِ الله، يَطيرُ على متنِه، كلَّما سمعَ هَيْعةً أو فَزْعةً طارَ عليه، يَبتغي القتلَ والموتَ مظانَّه. أو رجلٌ في غُنَيمةٍ في رأسِ شَعَفَةٍ من هذه الشَّعَفِ، أو بطنِ وادٍ من هذه الأودية، يُقيمُ الصلاةَ، ويؤتي الزكاةَ، ويعبدُ ربَّهُ حتى يأتيَه اليقينُ، ليسَ من الناسِ إلا في خير".

 

صحيح مسلم (1889).

 

المعاش: هو العيش، وهو الحياة.

يطيرُ على متنه: يسارعُ على ظهره.

الهيعة: الصوتُ عند حضورِ العدوّ.

الفزعة: النهوضُ إلى العدوّ.

يَبتغي القتلَ والموتَ مظانَّه: يطلبهُ في مواطنه التي يُرجَى فيها؛ لشدَّةِ رغبتهِ في الشهادة.

قالَ الإمامُ النووي: وفي هذا الحديثِ فضيلةُ الجهادِ والرباطِ والحرصِ على الشهادة.

والغُنيمة: تصغيرُ الغنَم، أي: قطعةٌ منها.

والشَّعفة: أعلَى الجبل( ).

 

(8)

الجهاد ينفي النار

 

عن أبي عبس عبدالرحمن بن جبر:

 

أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "ما اغبرَّتْ قدَما عبدٍ في سبيلِ اللهِ فتَمسَّهُ النارُ".

 

صحيح البخاري (2656).

 

قالَ الحافظُ ابنُ حجر رحمَهُ الله: في ذلك إشارةٌ إلى عظيمِ قدرِ التصرفِ في سبيلِ الله، فإذا كان مجرَّدُ مسِّ الغبارِ للقدمِ يحرِّمُ عليها النار، فكيفَ بمن سعَى وبذلَ جهدَهُ  واستنفدَ وسعه؟( ).

 

(9)

ثواب الجهاد 

 

عن أبي سعيد الخدري:

 

أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "يا أبا سعيد، مَن رَضِيَ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا، وجبَتْ له الجنَّة". 

فعجِبَ لها أبو سعيد، فقال: أعِدْهَا عليَّ يا رسولَ الله! 

ففَعَل، ثم قال: "وأُخرَى يُرفَعُ بها العبدُ مائةَ درجةٍ في الجنة، ما بينَ كلِّ درجتينِ كما بين السماءِ والأرض"! 

قال: وما هي يا رسولَ الله؟ 

قال: "الجهادُ في سبيلِ الله، الجهادُ في سبيلِ الله".

 

صحيح مسلم (1884).

 

قالَ القرطبي: الدرجة: المنزلةُ الرفيعة، ويُرادُ بها غرفُ الجنةِ ومراتبها، التي أعلاها الفردوس( ).

 

(10)

مئة درجة للمجاهد!

 

عن أبي هريرة:

 

عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مَن آمنَ باللهِ ورسولِه، وأقامَ الصلاةَ، وصامَ رمضانَ، كانَ حقًّا على اللهِ أن يُدخِلَهُ الجنةَ، هاجرَ في سبيلِ اللهِ، أو جلسَ في أرضهِ التي وُلِدَ فيها". 

قالوا: يا رسولَ الله، أفلا نُنبِئُ الناسَ بذلك؟ 

قال: "إنَّ في الجنةِ مئةَ درجة، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيله، كلُّ درجتَينِ ما بينهما كما بين السماءِ والأرض، فإذا سألتمُ اللهَ فسَلُوهُ الفِردَوس، فإنهُ أوسطُ الجنةِ، وأعلَى الجنة، وفوقَه عرشُ الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجنة".

 

صحيح البخاري (6987).

 

لم تُذكَرُ الزكاةُ والحجُّ في أول الحديث، لكونهما غيرَ واجبين في كلِّ الأحول، فالزكاةُ تجبُ إذا بلغَ المالُ النصاب، ويجبُ الحجُّ على المستطيع.

وجلسَ في بيته: فيه تأنيسٌ لمن حُرِمَ الجهاد، وأنه ليس محرومًا من الأجر، بل له من الإيمانِ والتزامِ الفرائضِ ما يوصلهُ إلى الجنة، وإن قصرَ عن درجةِ المجاهدين.

قولهم: "أفلا نُنبِئُ الناسَ بذلك"؟ وجوابُ الرسولِ عليه الصلاةُ والسلامُ لهم، المراد: لا تبشِّرِ الناسَ بما ذكرتهُ من دخولِ الجنةَ لمن آمنَ وعملَ الأعمالَ المفروضةَ عليه، فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوهُ إلى ما هو أفضلُ منه من الدرجاتِ التي تحصلُ بالجهاد.

ومنه تفجَّرُ الأنهار: أي: من الفردوس، ووهمَ مَن زعمَ أن الضميرَ للعرش.

والفردوسُ أعلَى درجاتِ الجنة، وأوسطُها وأفضلُها، وفوقَها عرشُ الرحمن.

وفي الحديثِ فضيلةٌ ظاهرةٌ للمجاهدين، وفيه عظمُ الجنة، وعظمُ الفردوسِ منها. 

وفيه إشارةٌ إلى أن درجةَ المجاهدِ قد ينالُها غيرُ المجاهد، إما بالنيةِ الخالصة، أو بما يوازيهِ من الأعمالِ الصالحة؛ لأنه صلَّى الله عليه وسلَّمَ أمرَ الجميعَ بالدعاءِ بالفردوس، بعد أن أعلمَهم أنه أُعِدَّ للمجاهدين( ).

 

(11)

الجنة تحت ظلال السيوف

 

عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس، قالَ وهو بحضرةِ العدوّ: 

 

قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ أبوابَ الجنَّةِ تحتَ ظِلالِ السُّيوف".

فقامَ رجلٌ رَثُّ الهيئةِ فقال: يا أبا موسى، آنتَ سمِعتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ هذا؟ 

قال: نعم. 

قال: فرجعَ إلى أصحابِه فقال: أَقرَأُ عليكمُ السلام. 

ثم كسرَ جَفنَ سيفِه فألقاه، ثم مشَى بسيفهِ إلى العدو، فضرَبَ به حتى قُتِل.

 

صحيح مسلم (1902).

 

"أبواب الجنَّةِ تحتَ ظِلالِ السُّيوف": قال النوويُّ في شرحِ مسلم :قالَ العلماء: معناهُ أن الجهادَ وحضورَ معركةِ القتالِ طريقٌ إلى الجنة، وسببٌ لدخولها. 

وقالَ المناوي: هو كنايةٌ عن الدنوِّ من العدوِّ في الحرب، بحيثُ تَعلوهُ السيوف، بحيث يصيرُ ظلُّها عليه، يعني: الجهادُ طريقٌ إلى الوصولِ إلى أبوابها بسرعة، والقصدُ الحثُّ على الجهاد( ).

وجَفنُ السيف: غِمده.

 

(12)

قاتل وقتيل في الجنة!

 

عن أبي هريرة رضيَ الله عنه:

 

أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "يَضحَكُ اللهُ إلى رجُلَينِ يَقتُلُ أحدُهما الآخَرَ، كلاهما يدخُلُ الجنَّةَ". 

فقالوا: كيفَ يا رسولَ الله؟! 

قال: "يُقاتِلُ هذا في سبيلِ اللهِ عزَّ وجَلَّ فيُستَشهَدُ، ثم يَتوبُ اللهُ على القاتِلِ فيُسلِمُ، فيُقاتِلُ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجَلَّ فيُستَشهَد".

 

صحيح البخاري (2671)، صحيح مسلم (1890) واللفظُ له.

 

"يَضحَكُ اللهُ إلى رجُلَينِ...": معناه - كما قالَ الخطابي - : الإخبارُ عن رضا الله بفعلِ أحدهما وقبولهِ للآخر، ومجازاتهما على صنيعهما بالجنة، مع اختلافِ حالَيهما.

وقالَ ابنُ عبدالبرِّ: يُستفادُ من هذا الحديث، أن كلَّ مَن قُتِلَ في سبيلِ الله فهو في الجنة( ).

 

(13)

تجهيز الغازي

 

عن زيد بن خالد رضيَ الله عنه:

 

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: "مَن جهَّزَ غازيًا في سبيلِ اللهِ فقد غزا، ومَن خلَفَ غازيًا في سبيلِ اللهِ بخيرٍ فقد غزا".

 

صحيح البخاري (2688) واللفظُ له، صحيح مسلم (1895).

 

أي: حصلَ له أجرٌ بسببِ الغزو. وهذا الأجرُ يحصلُ بكلِّ جهاد، وسواءٌ قليلهُ وكثيره، ولكلِّ خالفٍ له في أهلهِ بخير، من قضاءِ حاجةٍ لهم، وإنفاقٍ عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم. ويختلفُ قدرُ الثوابِ بقلَّةِ ذلك وكثرته. 

وفي هذا الحديث: الحثُّ على الإحسانِ إلى مَن فعلَ مصلحةً للمسلمين، أو قامَ بأمرٍ من مهمَّاتهم( ). 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين