الآثار أصدق أنباءً من أكاذيب الكتب

من داخل قاعة العالم الإسلامي بالمتحف البريطاني نقف أمام علامات فارقة.

أولها : تسمية قسم من المتحف (ISLAMIC WORLD) (العالم الإسلامي).

علامة فارقة تستدعي الوقوف عندها من حيث العنوان .

ونضم لها قرينها في "متحف اللوفر" : قسم (ISLAMIC ART) (الفن الإسلامي).

عنوانان لا تجد لهما مثيلا مرتبطا بعقيدة.

فلن تجد وحدة موضوعية في أي متحف تُخَصِص قسماً للعالم المسيحي أو البوذي مثلا، أو قسماً عن الفن اليهودي أو الهندوسي مثلا .

وقوفا على هذه العلامة الفارقة ومن وحي الآثار التي لا تكذب نستنتج أن الدين الاسلامي دون سائر الأديان استطاع أن يصنع عالما، أو بمعنى آخر أن ينشئ حضارة وثقافة في مساحة جغرافية تمتد من الصين شرقا للأندلس غربا وتمتد زمانا عبر أربعة عشر قرنا ، وأنتجت منتجات حضارية اكتسبت خصائصها من خصائص الإسلام ذاته.

اكتسبت من الإسلام شموله فامتد خارج دور العبادة التي انحصر فيها غيره من المعتقدات ليضع بصمته على كل ما يستخدمه الإنسان من أثاث وسجاد وأواني نحاسية وخزفية وزجاجية ، وزخرفة المنازل ، وأغلفة الكتب وأدوات الكتابة ، وحتى الأسلحة وأدوات الحرب .. ووضع بصمته على تصميم المنازل وحتى مقارع الأبواب التي جعل منها واحدة ثقيلة للرجال وأخف للنساء لتتميز طرقة الطارق إن كان رجلا أو امرأة .

ولم تعد آثاره دور العبادة فقط ، بل امتدت لتنتج المدرسة والخان (فنادق السبيل) والتكية (لإيواء المساكين) والسبيل (لسقي عابر السبيل) والأسواق والحمامات العامة وأبواب وأسوار المدن وقلاعها ...

اكتسب من الإسلام أثرا من عقيدة التوحيد التي صبغت آثارها بوحدة موضوعية على تنوع منتجاتها (أواني- سجاجيد- أثاث- ..) واختلاف أماكنها الجغرافية (عربية- فارسية- مغولية- أندلسية- مملوكية- عثمانية- ..) واختلاف تاريخ صنعها ، بحيث يسهل على غير المتخصص وصف هذا الأثر بالأثر الاسلامي على اختلاف المكان والزمان.

العلامة الفارقة الثانية هي :

المقارنة بين إنتاج العالم الإسلامي وإنتاج أوروبا في ذات الفترة الزمنية.

في غرفة رقم (40) يوجد قسم أوروبا في الفترة من (1050-1500) ميلادية.

الموضوع لا يحتاج عناء في البحث والتدقيق وعيون متخصصة ، فأي مشاهد غير متخصص يستطيع اكتشاف الفارق الفني بين منتجات الحضارتين.

فليس هناك وجه للمقارنة لا من حيث التنوع الذي يشمل كل ما يستخدمه الإنسان، ولا من حيث تقنية تطويع المواد الخام من خزف وزجاج ونحاس ..، ولا من حيث إتقان الصنعة الفنية .. ليس هناك وجه للمقارنة على الإطلاق، فالمسافة بينهما كما بين السماء والأرض.

نكتفي بتلك العلامتين الفارقتين لنستنج استنتاجا من آثار لا تكذب كما كذب كثير من الكُتَّاب والمؤرخين :

( إن هذه الأمة وحضارتها وثقافتها هي صنيعة الإسلام ، وتاريخها ليس تلك الصفحة الحمراء بلون الدم، ولا السوداء بلون التعصب والجهل ، بل هي تلك الصورة الحضارية المضيئة التي تُكَّذِبُ هؤلاء الحاقدين ومن وراءهم من الجهلة والمغفلين.)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين