استعِذ بالله من هذه الثمانية.. الكسل

استعِذ بالله من هذه الثمانية.. الكسل

إيمان مغازي الشرقاوي

 

ماذا لو تثاقل الطبيب في إجراء جراحة طارئة لأحد مرضاه، تتطلب منه سرعة وجهداً ونشاطاً وحركة، فهل له أن يتكاسل في عمله أو يتراخى فيه، أم أنه سيعرّض حياة المريض للخطر والهلاك؟

وماذا لو أصاب الكسل رُبّان السفينة أو قائد الطائرة أو السيارة أثناء سيرهم، وتثاقلوا فتأخروا في الأخذ بأسباب السلامة وتعاليم القيادة، هل يصل أحد منهم إلى وجهته التي خرج إليها قاصداً إياها؟ وهل يسلم في رحلته من الأخطار؟

ما سبق في المقدمة أمثلة جزئية من واقع الحياة توضح نتيجة الكسل لو حصل، وتُذكّر بضرورة الجد والاجتهاد والسعي والنشاط في كل أعمالنا؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الكسل، بل ويقرنه بالعجز ويأمر بالاستعاذة بالله منهما، فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل» (رواه البخاري).

والكسل قسمان: كسل العقل، وكسل البدن، فقد يكسل العقل عن التفكر والتدبر في آيات الله تعالى، وعن معرفة ما يصلحه في معاشه ودنياه، ويكسل البدن عن استعمال جوارحه في طاعة الله سبحانه، وعن استعمالها أيضاً فيما ينفعه من أعمال وصناعات وزراعات وغير ذلك مما يحتاجه الإنسان لنفسه وتتقدم به أمته؛ ولذلك على الإنسان أن يتأمل قوته ويسعى بحسب ذلك إلى ما يسعده؛ لأن عدم كسله من أسباب وصوله من الذل إلى العز، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الخمول إلى النشاط، وإن من تعوَّد الكسل ومالَ إلى الراحة فقدَ الراحة، وقد قيل: «إياك والكسل والضجر، فإنك إن كسلتَ لم تؤد حقاً، وإن ضجرت لم تصبر على الحق» (نضرة النعيم ج2، بتصرف).

 

النشاط من صفات المؤمنين

وإذا كان النشاط مطلوباً في أعمال الدنيا، فإنه يُطلب في عمل الآخرة من باب أولى، قال سبحانه: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً) (الإسراء: 19)، وقد مدح الله عباده المسارعين في الخيرات السابقين إليها، وحثهم على ذلك، فقال: (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة: 148)، وهذا يدل على العمل والحركة والسعي والنشاط لا الكسل والتواني والتثاقل والتباطؤ.

وقد ذكر الكسل في القرآن الكريم في مقام الذم، وذلك عند الحديث عن أهل النفاق، حيث كسلوا في وقت لا ينبغي الكسل فيه، وهو وقت الصلاة، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء: 142)، وفي آية أخرى قال عنهم: (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى) (التوبة: 54).

 

عواقب الكسل

إذا كسل الإنسان تعطلت جوارحه عن العمل، وتباطأ عقله عن الفكر، وفترت همته عن السعي، وقَلت رغبته في العطاء، فلو كسل الصحابة رضي الله عنهم في البلاغ لما وصل إلينا هذا الدين، ولو كسل العلماء في نشر العلم وتعليمه ما فقه أحد فيه، وما عرفنا الحلال من الحرام، ولاختلط على الناس أمرهم، ففي الكسل تقييد للنفوس والأجساد حين تتثاقل عن العمل واكتساب الخبرات والسعي إلى الخيرات؛ فهو قرين العجز وصاحبه، وكلاهما يؤثر في الآخر، فمَن كسل عن عمله تدنت همته وضعفت إرادته وكان عاجزاً في نفسه، وكذلك فإن العجز يؤدي إلى التكاسل والتسويف وتأخير العمل.

والكسل يقلل من أداء الإنسان، ويجعله في موضع التقصير تجاه ما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، فيقصر في عباداته ويتأخر حين ينبغي عليه التقدم، ويتعثر في وقت يتطلب منه السباق والمسارعة، لا يؤدي واجبه وافياً لأهله ولأصحابه ومجتمعه، وهو مع ذلك لا يجد طعماً أو لذة لفراغه، ولا يتذوق حلاوة الجد والعطاء، قال ابن القيم: «.. تجد الكسالى أكثر الناس همّاً وغماً وحزناً، ليس لهم فرح ولا سرور بخلاف أرباب النشاط والجد في العمل» (روضة المحبين).

إن الله تعالى خلق الإنسان وأعطاه من وسائل السعي والحركة ما ينفع به نفسه ويخدم به غيره، فإذا توقف ولم يفعل، أو تأخر وسوَّف، أو تراخى وكسل؛ فإن لذلك عواقب غير محمودة على الفرد والأسرة والمجتمع، حيث يضر الكسل بصاحبه في معاشه ومعاده ويصرفه عن فعل ما ينفعه ويصلحه في دينه ودنياه، كما يسبب تعطيل مصالح العباد والإضرار بالمجتمعات، ولنا أن نتخيل مجتمعاً تعمه البطالة ويسيطر الكسل على أفراده، ولا يقوم كل فرد فيه بواجباته، ماذا تكون حاله؟ وكيف يصل أفراده إلى سد حاجاتهم من الطعام والشراب والدواء والكساء وكافة احتياجاتهم في حياتهم الدنيا دون سعي جاد منهم، وعمل خالص دؤوب؟!

 

كن نشيطاً

إن الكسل قرين العجز، ويؤدي إلى تدني الهمة وضعف النفس، وهو خطر على إيمان العبد لأنه يتسبب في نقص أعماله، والإيمان يزيد بعمل الطاعات؛ لذلك فعلى من يشعر بالكسل أن ينفض عنه أسبابه، ويبدأ في علاج نفسه، فيستعين بالله تعالى ويدعوه أن يعينه ويبعد عنه هذا الكسل، ثم يأخذ بأسباب ذلك، فيبدأ يومه بنشاط من قبل أن يبزغ فجره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل، فارقد فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (رواه البخاري)، قال النووي: «قوله صلى الله عليه وسلم: فأصبح نشيطاً طيب النفس، معناه لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه، مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره، مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان: معناه لما عليه من عقد الشيطان وآثار تثبيطه» (شرح النووي على مسلم).

كما أن عليه ألا يسرف في تناول الطعام، وألا يسهر لغير ضرورة، وأن يبتعد عن صحبة الكسالى، وليعلم أنه مسؤول، وأن وقته أمانة، وأن عمره مهما طال فهو قصير فلا يغتر بطول الأمل، وأن يبادر بالعمل ويغتنم الفرصة قبل ذهابها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ» (صحيح الترغيب)، وكما دعانا إلى النشاط والعمل إلى آخر لحظة في العمر فقال: «إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا» (صحيح الجامع)، وهذا الاغتنام علامة النشاط والجد لا الكسل والخمول، فكن نشيطاً في فعل الخير لك ولغيرك، وهذا هو النشاط المحمود.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين