استصغار الذنوب

 

 

تتفاوت الذنوب في  قدرها على حسب اقترافها، إلا أن المرء ينبغي ألَّا ينظر إلى ذات المعصية من حيث قدرها ولكن من حيث  أنها مخالفة للخالق جل جلاله.

 

قال الأوزاعي: «لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت».

 

فلا ينبغي أن يستهين العبد بالذنوب، فقد حذر النبي "صلى الله عليه وسلم" من ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: «إيّاكم ومحقّرات الذّنوب، فإنّما مثل محقّرات الذّنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ حتّى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإنّ محقّرات الذّنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه» (أخرجه أحمد/بسندٍ حسنٍ).

 

وجاء في الحديث عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أنه قال: «وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم» (رواه البخاري).

 

وإن العبد ليتساهل بالكلمة التي تخرج من فمه، ولا يلقي لها بالًا، تكون سبباً لدخوله النار، (روى البخاري ومسلم) من حديث أبي هريرة "رضي الله عنه" أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب».

 

ومعصية واحدة أخرجت آدم من الجنة. قال الشاعر:

 

تصل الذنوب إلى الذنوب=وترتجي درك الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج آدمَ=منها إلى الدنيا بذنب واحد

 

ومن ثمَّ فإن التهاون بالمعاصي واستصغارها ليس من شأن المؤمنين، فعن عبد الله بن مسعود"رضي الله عنه" قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار» 

 

واستصغار الذنوب يؤدى إلى خطر جسيم؛ إذ إنه يؤدى إلى إصرار المرء على المعصية، فمن أصرَّ على صغيرة، ما يُدريه أن تتحول في حقه إلى كبيرة، قال النبي "صلى الله عليه وسلم": «ويل للمصرِّين، الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون» (رواه أحمد وصححه الألباني).

 

قال ابن المبارك:

 

رأيت الذنوب تميت القلوب=وقد يورث الذل إدمانها

 

وترك الذنوب حياة القلوب=وخير لنفسك عصيانها

 

وقد وصف الله عباده المؤمنين بأنهم لا يصرون على ذنب، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون "135" } (آل عمران).

 

وسبحان الله، غافر الذنب قابل التوبة عن عباده، فالذنوب والخطايا، مهما عظمت، ومهما بلغت، فإن سبيل التوبة منها مفتوح للعبد، وهذا من رحمة الله عز وجل بالعباد؛ حيث سهل لهم أمر التوبة، وخففها عليهم، فهي لا تقتضي سوى الإنابة إلى الله، والإقلاع عن المعصية، والندم عليها، والاستغفار منها، من غير أن يكون بين التائب وبين الله واسطة، فينبغي أن يحرص العبد على تحصيل هذه المنة العظيمة، فقد كان النبي "صلى الله عليه وسلم": «يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (رواه البخاري). هذا وهو المعصوم "صلى الله عليه وسلم"، فكيف بحالنا ونحن الخطاؤون المذنبون.

المصدر موقع مجلة المجتمع 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين