استشهاد أبي عقيل في اليمامة

رجال ومواقف:

استشهاد أبي عقيل في اليمامة

حيدر الغدير

 

(1)

أبو عقيل – رجل

الرجل: كيف تجد نفسك الآن يا أبا عقيل؟

أبو عقيل: بخير من الله يا أخي. "صمت" والله ما ساءني أن أُصابَ بهذا السهم في سبيل الله.. لكنْ ساءني أن تكون هذه الإصابة سبباً في حملي إلى الخيام.. لأظل هكذا مستلقياً كما تراني.

الرجل: بارك الله فيك، ورزقك الصحة والعافية.

أبو عقيل: "في صوت يبدو عليه الحزن" اسمع يا أخي، والله ما بي حب الدنيا، ولكن يشق عليَّ أن أرى نفسي هكذا، لا أنا كسبت الشهادة، ولا أنا معافى فأجاهد مع المسلمين.

الرجل: لا عليك يا أبا عقيل، أرجو أن تبرأ سريعاً، ويكون لك شرف الجهاد في قابل الأيام.

أبو عقيل: "في صوت حزين" عزيزٌ عليَّ والله يا أخي أن أكون في هذا الظل مستلقياً مستريحاً، والمسلمون في بأسٍ شديد. "صمت" إن جيش مسيلمة أخطر جيوش الردة، وكأني بالمسلمين الآن يُلاقون منه الصعاب.

الرجل: إن الله مُظهِرٌ دينه، والله الذي لا إله إلا هو!.. ليكوننَّ لنا النصر العزيز المؤزر بإذن الله.

أبو عقيل: بإذن الله. "صمت" ترى هل من نبأ عن المعركة يا أخي؟

الرجل: هي الآن في إبّان ضراوتها، إني أودُّ اللحاق بإخواني في ساحتها، هل تأذنُ لي؟

أبو عقيل: كيف لا؟ "صمت" في حفظ الله ورعايته، اللهم نصرك المؤزر.

الرجل: اللهم آمين. "صمت" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبو عقيل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. "خطاه وهو يبتعد"

 

(2)

أبو عقيل وحده – صوتان يناديان: صوت من المسلمين، وصوت من المرتدين

أبو عقيل: "يناجي نفسه في صوت هادئ حزين" لا أنا فيمن استشهد ففاز!..، ولا أنا فيمن عوفي فمضى يجاهد في سبيل الله!.. اللهم لك الحمد على ما اخترت لي، رضيتُ بما قسمت، رضيتُ.. رضيتُ.

"صوت المعركة يعلو من بعيد"

أبو عقيل: اللهم انصر المسلمين، واكتب لهم الغلبة والفوز.

الصوت المسلم: "عالياً" يا معشر المسلمين، الثباتَ الثباتَ.. فإنما هي إحدى الحسنيين، إما الشهادة وإما النصر.

"صوت المعركة يعلو من بعيد"

الصوت المرتد: "عالياً" يا جنود مسيلمة!.. لقد أوشك النصر على جيش خالد بن الوليد.. شددوا الهجوم.. فما هي إلّا ساعة من نهار حتى يولّوا الأدبار.

"صوت المعركة يعلو من بعيد"

أبو عقيل "يعود إلى المناجاة في صوت هادئ حزين" ويحك يا أبا عقيل!.. أنت في خيمة المرضى هذه، والمسلمون في بأس شديد، ما هذا بالعدل!.. ما هذا بالعدل!.. ما هذا بالعدل!.. اللهم اهزم مسيلمة، وانصر المسلمين.

"صوت المعركة يعود إلى الارتفاع مجدداً"

 أبو عقيل: "يكرر دعاءه" اللهم اهزم مسيلمة وانصر المسلمين.

 

(3)

أبو عقيل – رجلان من المسلمين يتحدثان بشكلٍ يدل على الخطورة والاهتمام

الأول: لقد ثبت فرسان مسيلمة ثباتاً عجيباً.

الثاني: بل إنهم تجاوزوا ذلك إلى الهجوم.. لقد شددوا الهجوم علينا حتى كشفونا عن مواقعنا.

الأول: صدقت. "صمت" اللهم اكتب لنا النصر والغلَبة، اللهم امنحنا أكتافهم يا رب العالمين.

الثاني: وكيف الحال الآن!؟

الأول: لقد حزن الأنصار على ما أصاب المسلمين اليوم، وأجمعوا على قتال مرير لا مثيل له، وهم الآن ينادون بعضهم بعضاً ليجتمعوا، ويشنوا هجوماً عنيفاً على جيش مسيلمة.

الثاني: بارك الله فيهم.. إنهم لَأنصار الإسلام حقاً.

صوت من الأنصار: "يرتفع عالياً حاراً" يا معشر الأنصار.. اللهَ.. اللهَ، والكرَّةَ على عدوكم!.. اللهَ.. اللهَ.. والكرَّةَ على عدوكم!.. اللهَ.. اللهَ.. والكرَّةَ على عدوكم!..

أبو عقيل: ها هم ينادون الأنصار، لقد كفاني ما بقيت في هذه الخيمة بسبب هذا السهم الذي أصابني، لقد حُرِمتُ الجهاد وقتاً طويلاً من هذا اليوم المشهود. لا عذر لي الآن، لا عذر قط، فها هم ينادون الأنصار وإنَّ عليَّ أن أجيب.

الصوت الأنصاري: "يعلو من جديد" يا معشر الأنصار.. اللهَ.. اللهَ.. والكرَّةَ على عدوكم.

أبو عقيل: لبيك لبيك!.. لبيك لبيك!..

 

(4)

أبو عقيل – الرجل الذي ظهر معه في المشهد الأول

"وهما يتحدثان بصوت يدل على الخطورة والجدية"

الرجل: إلى أين يا أبا عقيل؟ ابقَ حيث أنت.. أنت جريح!..

أبو عقيل: إليك عني يا رجل!.. لقد نوّه المنادي بالأنصار، وإنما أنا أنصاري!.. فهو قد نوّه باسمي.

الرجل: إن المنادي يقول: يا للأنصار!.. وهو لا يعني الجرحى.

أبو عقيل: خلِّ عني يا رجل. أنا رجل من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبواً.. وسأنادي الأنصار كما ناداهم غيري. "صوته يعلو":

يا للأنصار، كرَّةً كيوم حُنين!.. يا للأنصار، كرَّةً كيوم حُنين!.. يا للأنصار، كرَّةً كيوم حُنين!..

 

(5)

أبو عقيل – الرجلان المسلمان اللذان ظهرا في المشهد الثالث

الأول: انظر إلى أبي عقيل، إنه يجود بنفسه.

الثاني: لقد أبلى هذا اليوم أحسن البلاء.

الأول: حين هتف المنادي بالأنصار كان جريحاً، لكنه لم يعذر نفسه فمضى كالسهم ينادي: يا للأنصار.. كرَّةً كيوم حُنين!..

الثاني: دعنا نكلِّمه الآن. يا أبا عقيل، يا أبا عقيل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبو عقيل: "في صوت ضعيف متقطع" وعليكم.. السلام.. ورحمة.. الله.. وبركاته.

الأول: "في صوت هامس" انظر يا أخي، لقد قُطِعت يده التي جُرحت أول النهار.. "صمت" وأما جراحه فهي أربعة عشر جرحاً، كلها خَلَصت إلى مقتل.

أبو عقيل: "في صوته الضعيف المتقطع" لمن كان النصر اليوم؟

الثاني: "بصوتٍ عالٍ" أبشر يا أبا عقيل!.. قُتِلَ عدو الله مسيلمة وهُزِمَ جيشه وانتصر المسلمون.

أبو عقيل: "في صوته الضعيف المتقطع" الحمد لله رب العالمين، بشَّرك الله بالخير. أمَا إني لسعيد، رُزِقت الشهادة التي طالما رجوت، وعلمتُ نبأ انتصار المسلمين.. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين