استدلالات خاطئة في مسألة المولد النبوي الشريف

هذه المسألة ليست بأولى مسائل الخلاف ولا بآخرها، ولكني أرى بعض الاستدلالات غير الصحيحة أو غير المناسبة من الفريقين، وسأختصر التصحيح فيما يأتي:

 

١-الصحيح أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس أمرًا دنيويا، بل الذين يحتفلون يبتغون الثواب،  وكل ما يبتغى به الثواب فهو عبادة، ولكن الصحيح أيضًا أن العبادة تنقسم قسمين؛ عبادة لا يقصد بها إلا التعبد كالصلوات الخمس والحج وصوم رمضان، فهذه لا تقبل الزيادة إلا بنص، كزيادة الوتر على الصلوات الخمس، إذ ورد بها النص، بخلاف ما لم يرد به النص كالطواف بغير الكعبة والسجود للقبر وكثير من الطقوس التي يضيفها المبتدعة كل سنة في مناسباتهم.

وعبادة قصدها معلوم في حياتنا كطلب العلم وبر الوالدين وصلة الأرحام فلا شك أن هذه عبادات، ولكن هذه العبادات فيها مرونة للزيادة واختراع الأساليب والكيفيات المناسبة لكل زمن، ولا يدخل ذلك في باب البدعة أبدا.

ولذلك أجمع العلماء على مشروعية بناء الجامعات وإقامة دورات التحفيظ والاحتفال بالفائزين في المسابقات القرآنية، ولا شك أن كل هذا مما يبتغى به وجه الله وهو ليس ببدعة وإن لم يفعله النبيّ عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة الكرام.

وعليه فلا صحة لقول بعض المانعين: إن كان الأمر دنيويا فلماذا تفعلونه في المساجد وتدعون الناس له؟ وإن كان دينيا فأين دليله من الكتاب والسنّة؟ كأن الأمر عندهم لا يحتمل إلا هاتين الصورتين!

 

٢-وقد رأيت من بعض المجيزين من يستدل بقاعدة (لا تحريم إلا بنص) وهذا صحيح في باب المباحات كالأكل والشرب والملبس والمسكن، أو في باب العبادات من النوع الثاني كطلب العلم وصلة الأرحام، أما الأمور التعبدية (العبادة بمعناها الأول) كالصلوات الخمس وصوم رمضان فالزيادة عليها محرمة ورد النص بتحريمها أو لم يرد وهذا معنى القاعدة ؛(الأصل في العبادات التحريم ما لم يرد دليل المشروعية)

 

وعليه فإن أصل الخلاف يدور حول تكييف الاحتفال بالمولد النبوي والمناسبات التاريخية الأخرى كالهجرة النبوية ومعركة بدر ..الخ فينظر إليها بعضهم على أنها (أمور تعبدية) كالصلاة والصوم وعليه فهي عندهم بدعة محرمة لعدم وجود النص بمشروعيتها.

وينظر إليها الطرف الآخر على أنها من (الأمور العادية أو الدنيوية) كالاحتفال بالتخرج فهي عنده مباح لعدم وجود النص المحرّم.

 

والصحيح أنها لا من هذه ولا من تلك، بل هي من الأمور الدينية لكنها معلومة الغاية والمقصد كالتعليم والدعوة والجهاد وصلة الأرحام فهذه كلها مطلوبة دينيا ولكن الشرع جعل لنا فيها فسحة لابتكار الطرق والأساليب المناسبة زمانا ومكانا، فنحن نتقرب إلى الله ببناء الجامعات وصناعة الدبابات واستخدام الوسائل الناجحة والمبتكرة في الدعوة والتربية والتعليم وحتى في حفظ القرآن ولا نقف عند الصورة التي كان عليها السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم.

 

وعليه فالذي أفتي به وألقى به ربي:

أن استثمار المناسبات التاريخية كلها في باب الدعوة والتربية والتعليم وتقوية أواصر المجتمع المسلم بما يتسق مع مقاصد الشرع ومبادئه العامة فهذا ليس جائزا فقط بل هو عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى. وعلى المسلمين أن ينشطوا في ذلك ولا يترددوا.

 

أما اختراع شعائر خاصة وطقوس وخرافات وحكايات مكذوبة ومبالغات فهذه هي البدعة المنكرة التي ينبغي أن نتعاون لتوعية الناس بمخاطرها الدينية والدنيوية.

وشتان شتان بين النهجين.

 

وصلى الله وسلّم على نبيه المصطفى وآله وصحبه أجمعين 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين