ابن وَأْلان وأمانة جندي

رجال ومواقف

ابن وَأْلان وأمانة جندي

حيدر الغدير

 

(1)

قائد – صديق له

القائد: أمَا إن أميرنا في هذه الجهاد، لَقائدٌ بارعٌ شجاع.

الصديق: تعني قتيبة، "صمت" قتيبة بن مسلم الباهلي؟

القائد: أجل.

الصديق: صدقت والله، أمَا إن الحَجَّاجَ لَبارع في اختيار الرجال، لقد اختاره شاباً دون الكهول والمجربين، فعجِب الناس من عمله هذا.

القائد: ولولا هيبة الحجاج في أنفسهم لذمُّوه وعابوه.

الصديق: لكنَّ فترة قصيرة أعقبت هذا الاختيار، أثبت فيها قتيبة بن مسلم أنه من أقدر القوّاد وأبرعهم.

القائد: فدَلَّ هذا على أن الحجاج ثاقب النظر، صادق الفراسة، واسع الخبرة في الرجال.

الصديق: لقد تنقَّل قتيبة من نصرٍ إلى نصر، وكسب للإسلام بلاداً واسعة وشعوباً أحسبها سوف تسلم عن قريب بإذن الله.

القائد: بإذن الله "صمت" حمداً لله على ما أنعم.. نصرٌ مؤزر، وحقٌّ يعلو، ومغانم وافرة طيبة. "صمت" أتدري كم كانت حصتي من المغانم في معاركنا الأخيرة؟

الصديق: أحسبُها شيئاً كبيراً.

القائد: لقد بلغت خمسمئة ألف درهم، "صمت" إني أريد الخروج في جهادنا هذا فأين تنصحني أن أتركه وديعة؟

الصديق: أين أنت من ابن (وَأْلان)؟ إنه لَثِقة صدوق أمين.

القائد: لكنني لا أعرفه.

الصديق: لا عليك.. سوف أتدبرُ لك الأمر.

 

(2)

القائد – الصديق

القائد: وماذا فعلت؟

الصديق: لقد حدَّثتُ ابن وَأْلان بالأمر، فقال ابعث بالمال إليَّ، وسأكون بانتظارك عقب صلاة العشاء قرب الشجرة التي تواجه باب المسجد الخلفي في يوم الجمعة.

القائد: على بركة الله.

الصديق: على بركة الله.

 

 (3)

ابن وَأْلان وحده يتحدث

ابن وَأْلان: ولقد مضى الوقت المحدد ولم يحضر القائد الذي يريد أن يدع المال أمانةً عندي لقد ضبطت الموعد تماماً. فأنا ابن وَأْلان بنفسه، وها أنذا أنتظر عقب صلاة العشاء قرب الشجرة المواجهة لباب المسجد الخلفي "صمت" واليوم هو الجمعة.

ربما عدل الرجل عن أمر الوديعة، فقد مضى على الموعد وقت ليس بالقصير، لأنصرف إذن.

 

(4)

مبعوث القائد وحده يتحدث

مبعوث القائد: لقد بعثني مولاي القائد بهذه الوديعة، لتكون أمانةً عند ابن وَأْلان، لكني لا أرى أحداً.. إني الآن في المكان الذي حدده ابن وَأْلان لمولاي القائد.. ما أحسبه إلا قادماً بعد حين، ماذا عليَّ لو تركت الوديعة عند الشجرة؟ سيأخذها حين يأتي. "صمت" إنها لَفِكرة طيبة. لَأنفذنَّها.

 

(5)

رجل تغلبي يتحدث وحده

رجل تغلبي: إنها لَثروة هذه التي يحتويها هذا الكيس، ثروة كبيرة قدرها خمسمئة ألف درهم، وجدتها تحت هذه الشجرة. إني لَفقيرٌ حقاً، ولكن لن تمتد إليها يدي بسوء، سآخذ هذا المال وأتركه وديعةً عندي حتى إذا عرفتُ صاحبه، دفعته إليه، إنها فكرة طيبة، لأنفذنها لكنْ، كنْ حذراً أيها التغلبي من اللصوص، اللهم ساعدني على حفظ هذه الأمانة وأدائها لصاحبها.

 

(6)

القائد – الصديق

القائد: وهكذا عوّلتُ على استرداد أمانتي التي كنت بعثتها وديعة عند ابن وَأْلان لحاجتي هذه التي ذكرتها لك.

الصديق: على بركة الله، ما رأيك أن نذهب معاً إلى ابن وَأْلان؟

القائد: على بركة الله. هيّا بنا.

 

(7)

القائد – الصديق – ابن وَأْلان

القائد: إنك يا ابن وَأْلان عظيم الأمانة، ولذا صار الناس يتركون ودائعهم عندك.

ابن وَأْلان: بارك الله فيهم، أرجو أن أكون عند حسن ظنِّهم.

الصديق: وها قد جئنا الآن لاسترداد الأمانة التي تركناها عندك وديعة.

ابن وَأْلان: "مندهشاً" أي أمانة؟

الصديق: تلك التي حملها إليك رجلٌ من قِبلنا يوم اتعدنا عقب صلاة العشاء قرب الشجرة المواجهة لباب المسجد الخلفي من يوم من أيام الجمعة.

ابن وَأْلان: صدقت!.. لكني ذهبت وانتظرت فلمْ يأتِ أحد فانصرفت.

القائد: "حزيناً" حسبي الله ونعم الوكيل، اللهم رُدَّ لي مالي، أيها الشيخ الجليل أَواثقٌ مما تقول؟

ابن وَأْلان: الثقة كلها.

القائد: حسبي الله ونعم الوكيل!.. فلنحضر نسأل الذي بعثناه يومذاك بالمال.

الصديق: هيا بنا.

 

(8)

القائد – مبعوثه

القائد: ويحك!.. ما الذي فعلتَه بالمال الذي أرسلتُه معك لابن وَأْلان؟

المبعوث: "خائفاً" والله.. إني.. لم.. أ ســ .. رق منه شيئاً.

القائد: فماذا فعلتَ به؟

المبعوث: "خائفاً" أأقولُ.. وأنا.. آمِن؟

القائد: أجل.. أنت آمن.

المبعوث: "في صوت هادئ" ذهبتُ بالمال فما وجدتُ ابن وَأْلان، فتركتُه عند الشجرة وانصرفت، وقلت في نفسي: سيأخذه ابن وَأْلان إن جاء فعرفه بعلامته.

القائد: غاضباً" لَبِئس ما فعلت! أمجنونٌ أنت؟ لأجعلنك نكالاً.

 

(9)

القائد – الصديق – الرجل التغلبي

القائد: إنه لَمجنونٌ ذلك الجندي الذي بعثتُه بالأمانة لابن وَأْلان.

الصديق: لولا أنه مشهورٌ بالأمانة لكان موضع التهمة.

القائد: وإنه الآن في العقاب. "يطرق الباب"

القائد: مَنْ.. مَنْ بالباب؟

الرجل التغلبي: رجلٌ من عامة المسلمين، أتأذنُ لي؟

القائد: ادخل، مرحباً بك.

الرجل التغلبي: "صوت دخوله" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

القائد والصديق: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الرجل التغلبي: سمعتُ عن مالٍ ضاع لك بسبب جندي بعثتَهُ فأخطأ التصرف، هل لك أن تذكرَ لي علاماته؟

القائد: أهوَ عندك؟

الرجل التغلبي: العلامات أولاً أيها القائد.

القائد: صدقت. كان موضوعاً في كيس أحمر، شُدَّ أعلاه بخيط أبيض، والمالُ قدره خمسمئة ألف درهم، سبكت جديداً فهي لماعة.

الرجل التغلبي: مالك عندي إذن.. تعالا معي.

 

(10)

القائد – التغلبي

الرجل التغلبي: هل تأكدتَ من العد؟

القائد: أجل.

الرجل التغلبي: أثَمَّة نقص؟

القائد: أبداً.

الرجل التغلبي: خذ مالك، بارك الله فيك.

القائد: جزاك الله خير الجزاء، أمَا والله إنك لَأمين، أتأذنُ لي في ألف درهم هدية لك على حسن ما فعلت؟

الرجل التغلبي: بارك الله فيك، أعتذر.

القائد: خذها.. لا تردني، والله لَتأخذنها.

الرجل التغلبي: أنت في داري، فلا تخطئ معي، والله لن آخذها. "صمت"

القائد: إنك نفسٌ حرةٌ أصيلة.

الرجل التغلبي: لقد فعلتُ ما فعلتُ ابتغاء وجه الله. "صمت" والله ما رآني أحدٌ حين وجدتُ المال. "صمت" خذ مالك كله أيها القائد، ولا تفسد عليَّ ثوابي بألفِ درهم تدفعها، أو ثناءٍ تُزجيه.

****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين