إيران والبحرين.. فقاعة سياسيّة أم خطوة مرتجلة؟
تبعيّة البحرين لا يصنعها استشهاد انتقائي من التاريخ
بقلم: نبيل شبيب
لم يكن الموقف الصادر عن الشيخ ناطق نوري، المتحدث باسم المرشد السيد خامنئي بشأن البحرين زلة لسان، ولم يكن الأول من نوعه، وما كان من العسير مروره دون تداعيات سلبية، وليست مسارعة العديد من المسؤولين في البلدان العربية، بدءاً بالسعودية وانتهاء بسورية إلا مؤشراً على مدى ما تثيره مواقف من هذا القبيل من ردود أفعال متوقعة، في فترة كان من المفروض أن يتجنب المسؤولون الإيرانيون فيها مثل تلك المواقف.
لا يفيد كثيراً الدخول في سجال حول تاريخ البحرين وأنها جزء من مواطن العرب منذ القدم، فليس لإثارة هذا السؤال بعد تاريخي أو قانوني دولي قدر ما هو قضية سياسية بامتياز، بل لا يوجد في الأصل ما يستدعي إثارتها من حيث تبعية البحرين تاريخياً، ولا سيما أن كل طرف يستطيع أن يختار لحظة زمنية تاريخية معينة، فيتغافل عما قبلها وما بعدها، ليبني عليها فيستنتج ما يريد استنتاجه.
هل يمكن القول إن بداية تاريخ البحرين كان عام 1602م عندما سيطرت عليها الدولة الصفوية الفارسية، وليس عام 629م عندما حكمها العلاء الحضرمي الذي ولاّه محمد |، أو عام 1783م عندما بدأ عهد آل خليفة فيها..
ألا يمكن القول إن بداية تاريخ البحرين كان مع الساسانيين وليس مع البابليين أو الآشوريين من قبلهم او الفرس من بعدهم؟..
هل يمكن أصلاً ربط تبعية أي منطقة من العالم بتاريخ من حكمها من دول وليس بتاريخ من سكنها من الشعوب؟..
إن هذا الأسلوب الانتقائي لأحداث التاريخ القديم يمكن أن يسري على بلاد عديدة عندما يكون القصد هو النزاع، بما في ذلك إيران نفسها، فقد كانت نسبة عالية من سكانها من الأكراد إلى جانب «الباريسيين» الفرس منذ القدم، وحكمها الرومان والإغريق والآشوريون، وبقيت لقرون عديدة تابعة للدولة الإسلامية أيام شغل العرب منصب الخلافة.
وقد عرفت البحرين عهود الآشوريين والبابليين والإغريق وليس الفرس فقط، وكانت إلى ظهور الإسلام معروفة باسم أوال، وسكنتها قبائل من بني بكر وتميم، وحتى عند سيطرة الفرس الساسانيين عليها، كان حكمهم لها عن طرق ولاة عرب فيها، وكان آخرهم عند ظهور الإسلام المنذر بن ساوى من بني تميم.
ليس التاريخ بحد ذاته مشكلة، إنما استخدامه استخداماً انتقائياً لأغراض سياسية يصنع مشكلة، وإذا استخدمت إيران الاسلوب الانتقائي فهي تصنع شبيه ما يصنع الغرب عندما يعتبر عهد الاستعمار البرتغالي هو بداية «التأريخ» لتيمور الشرقية ويتغافل عن تبعيتها لإندونيسيا قبل البرتغال وبعدهم.
وفي الوقت الذي لا تنقطع فيه جهود تصوير «الخطر الإيراني» هو الخطر الأكبر على البلدان العربية، لا سيما الخليجية، بديلاً من الخطر الصهيوني، يصبح مثل ذلك التصريح الصادر عن ناطق نوري من قبيل صبّ الزيت على النار كما يقال.
صحيح أن عدداً من المسؤولين في إيران وفي مقدمتهم وزير الخارجية سارعوا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن لا يجهل المسؤولون في إيران وفي البلدان العربية أن السلطة الأعلى في إيران هي للمرشد، وهو من يُطلب منه استدراك ما صنع المتحدث باسمه، استدراكاً واضحاً بيّناً يقطع حبل الشبهات، ويزيل فتيل نزاع إذا استمرت تداعياته، فقد تصبح مثل تداعيات السيطرة بالقوة على الجزر الثلاث في الخليج، ويتحول إلى عقبة كأداء في وجه أي تقارب حقيقي بين الدول العربية وإيران، بينما بات هذا التقارب واجباً وضرورة.
لا شك أن الأسلوب الاستعراضي الذي اتبعته دول عربية عديدة في تأكيد وقوفها إلى جانب البحرين ورفضها للتصريحات الإيرانية يندرج تحت عنوان الاستفادة من فرصة «ذهبية» في نظر بعض المسؤولين للمضيّ قدماً في التهويل من الخطر الإيراني على المنطقة، وهذا ما يجد عليه أعواناً من أقلام لم ينقطع نشاطها في الاتجاه نفسه، إلا أن المسؤولية الأكبر تقع في هذه الحالة على عاتق من يعطي هذه الفرصة دون وجود ما يستدعي ذلك، بدلاً من الدعوة إلى حوار عربي-إيراني يتناول كافة المشكلات والمسائل العالقة بين الجانبين، ويبحث عن أرضية مشتركة للتعامل على أساس المصلحة العليا والمصير المستقبلي المشترك لكافة البلدان الإسلامية معاً ولشعوبها دون تمييز.
ولا يمكن القبول بتسويغات من قبيل جمع إيران «أوراقاً» لحوار مرتقب مع الأمريكيين، فمجرد اعتبار الحديث عن البحرين ورقة من تلك الأوراق يمثل درجة خطيرة من الخلل في تقدير الأولويات، فالعنصر الأهم بالنسبة إلى إيران والدول العربية من علاقات طهران مع واشنطن هو علاقات طهران بالجوار العربي والتركي والأفغاني، والعلاقات على مستوى الشعوب، وإن الورقة الأعظم أهمية التي يمكن أن يستخدمها الجميع تجاه القوى الدولية هي ورقة وصول العلاقات بين الدول العربية والإسلامية جميعاً وشعوبها إلى مستوى من التضامن والتعاون يسد أبواب التدخلات الخارجية.
لقد كان لسياسة «شرطي الخليج» الإيرانية في عهد الشاه دورها في تسويغ فتح أبواب عدد من الدول الخليجية للوجود العسكري وغير العسكري الأمريكي. ولا ينبغي أن يكون للسياسات الإيرانية الآن، في العراق، وتجاه البحرين، وعلى صعيد الجزر الثلاث في الخليج، والتهديدات بشأن مضيق هرمز، دور في تسويغ استمرار فتح الأبواب والأجواء والمياه والأراضي أمام الوجود العسكري وغير العسكري، الأمريكي وغير الأمريكي.
ولا يوضع حدّ لهذه السياسات عن طريق تصريح يطلقه مسؤول وتصريح يناقضه من جانب مسؤول آخر، إنما يوضع حدّ لها من خلال طرح مختلف القضايا التي تهم الجميع على مائدة حوار إقليمي، دون مشاركة قوى دولية، لا علاقة لها بالمنطقة سوى علاقة العمل لترسيخ الهيمنة عليها وعلى ثرواتها.
لقد أصبحت ضرورة هذا الحوار الإقليمي بما يشمل قضايا الخليج، وفلسطين، ولبنان، والمحاور المرفوضة، والأمن المشترك، والتعاون الاقتصادي.. ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، وقد يمكن فتح باب هذا الحوار بشيء من الحنكة السياسية الحقيقية بدلاً من التصريحات المرتجلة، كي لا تتفاقم تداعيات هذه المشكلة وتضاعف ما سبق أن أحدثته مشكلات سابقة مشابهة
مجلة الأمان ، العدد (346) من السنة (17).
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول