إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين

 

يقرر القرآن الكريم أن عطاء المسلم المثابر الثابت المكب على عمله قد يساوي عطاء عشرة رجال خاصة إذا كان عملا جماعيا (إن يكن منكم عشرون) فإذا دخل الضعف على عمل المسلم وأصبح عطاؤه عاديا فإنه لا ينبغي أن يهبط عن مستوى ضعفي عطاء غيره (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) وهاتان الآيتان هما التأصيل الشرعي للفعالية ويتعدى بعدهما السياق القتالي إلى كل مجالات العمل  لأن العبرة بعموم اللفظ كما هو معلوم فالمفروض أن للمسلمين قدرة على استعمال الوسائل المتاحة واستخراج أقصى ما يمكن استخراجه منها من نتائج وتلك هي الفعالية التي نشكو من قتلها اليوم ويعني توفرها أن المفكرين المسلمين ينتجون عددا ضخما من الأفكار الحية والمنعشة وأن الوعاظ ينشئون روحا عالية ومشاعر رقيقة تدرأ الصدأ والفساد وأن المهندسين يصنعون الجمال الذي يدل على الله عز وجل ويهذب النفوس وأن التجار يحلون محل اليهود في الدورة التبادلية محليا وعالميا ونفس الشيء بالنسبة للصحفيين والمجاهدين وخبراء النفط والفنانين وربات البيوت والأطباء الخ... هؤلاء جميعا يشعرون بفضل إيمانهم الإيجابي أنهم يملكون شيئا يمكن أن يقدموه للآخرين مساهمة منهم في صناعة الحياة بالطريقة التي ترضي الله تعالى فيتفانون في وظيفتهم بحيث يفوق عطاؤهم عطاء غيرهم مرتين على الأقل.

وهذا قمة التعامل مع القيم في حين تكمن المشكلة في عجزنا عن التعامل مع هذه القيم ونحن نرى مؤسسات العمل الجماعي عندنا كمراكز البحث والمجمعات اللغوية والعلمية فضلا عن العمل الفردي تعجز عن إنتاج ما يناسب العصر ويتناسب مع حاجتنا إلى اللحاق به والسبب لا يكمن في شيء آخر غير اللافعالية التي مازالت من سمات أمتنا ولتدارك الأمر يجب الانتقال من الفكر التعبوي الذي يعبئ المسلمين حول دينهم إلى العمل التخصصي المستند إلى الفعالية القصوى التي يقتضيها قول الله عز وجل (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) ويعتبر حالنا المتردي محفزا على هذا الانتقال النوعي لكن الشرط الأساسي المطلوب قد ذكرته الآية وهو الصبر أي تحمل مشاق التحصيل والتجربة والبذل المجدي بتفريغ كل الوسع وتوظيف الإمكانات العقلية والنفسية والمادية توظيفا أقصى وهذا هو العيش في سبيل الله تعالى وهو بما يقتضي من صبر وجلد واحتمال أصعب من الموت في سبيل الله الذي ليس-على جلالته وفضله- إلا صبر ساعة لذلك نرى الشباب الإسلامي يبذل نفسه ليموت في سبيل مبادئه لكن قليلا منهم يصبر على نيل الفعالية التي تخدم الإسلام والأمة والبشرية وهذا يسمح لنا بالقول بأن ما يصيبنا منذ عصور الانحطاط عقوبات مستحقة على معاص فكرية وثقافية لا شك أن أولها اللافعالية الموصوفة التي فتحت الباب لاتهام القيم والحل لا يكمن في رد الاتهامات نظريا بقدر ما يتمثل في اكتساب الفعالية كثقافة قرآنية وكمحور عملي في دائرة الفرد والمجتمع وفي مجالات المال والتقنية والتدريس والدعوة والإنتاج وغيرها ولنا في الصحابة نموذج حي إذ أنهم انطلقوا من واقعهم البسيط ففعلوه بقوة ونافسوا به الحضارات القائمة لذلك ضرب الإمام الشهيد حسن البنا رضي الله عنه المثل بالأخ يراه الناس في اليوم الواحد مصليا خاشعا ثم واعظا مدرسا ثم رياضيا أنيقا ثم تاجرا قديرا أو عاملا نشيطا...هذه هي الفعالية ومتى توفر فريق تسلح بها وتصدى للبناء وصناعة الحياة نكون قد تصالحنا مع قيمنا ومع الحضارة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين