إنه ينادينا -35-

 

 

سورة ( المنافقون) فضيحة كبرى لهم فقد شهد المولى سبحانه أنهم كاذبون في دعواهم ( الإيمان)، فهم يعترفون للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوّة لساناً ، وقلوبهم منكرة لذلك ،فوصفهم الله تعالى بالكذب 

" إذا جاءك المنافقون قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" سورة المنافقون الآية -1.

وما أكثر الذين يكذبون فيحلفون الأَيمان الغليظة إنهم لعلى حق ، يُظهرون الموافقة بلسان عسليٍّ ينقط منه سمُّ الأفاعي القاتل. 

ولكِن نتساءل : هل دخل الإيمان إلى قلوبهم ثم ارتدّوا أو ظلوا – ابتداءً من الكافرين؟ والجواب صريح في هذه السورة ( ذلك بانهم آمنوا ثم كفروا ، فطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) ،فقد دخل الإيمان قلوبهم فترة ،ثم انقلبوا على أعقابهم كافرين ، فكانت قلوبهم أظلم من قلوب الكفار الذين لم يؤمنوا أبداً . هؤلاء عرفوا الحقيقة وأنار الإسلامُ قلوبهم ،ثم انقطع النور فجأة فعاشوا في ظلام أشد مما كانوا عليه قبل إسلامهم.

من صفات هؤلاء المنافقين في هذه السورة الفاضحة:

1- أنهم كاذبون ، يستمرئون الكذب ليُضلوا الناس عن الحق.

2- قلوبهم – بسبب ارتدادهم مُربَدَّة سوداءُ، موسومة بوسم الجهل وسوء التصرّف.

3- حبهم للحياة – أيّةِ حياة –  يخافون الموت ويفرون من المعركة 

4- منظرهم غير مخبرهم ، يعجبك منظرهم وحديثهم ،ويفضحهم جبنهم وخوفهم.

5- يستكبرون على الإيمان ويكرهون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .

6- يدْعون عملياً إلى مقاطعة المسلمين والتضييق عليهم مادياً ومعنوياً لصرفهم عن الدين.

7- يصرحون في فلتات ألسنتهم بالكره العميق للإسلام واهله ، ويودون للمسلمين الذلة والانكسار.

يأتي النداء الإلهي - بعد فضح المنافين :

"يا أيها الذين آمنوا لا تُلهكُم أموالكُم ولا أولادُكم عن ذكر الله ، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتيَ أحدَكُم الموتُ فيقولَ : ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدّق وأكنْ من الصالحين ، ولن يؤَخِّرَ الله نفساً إذا جاء أجلُها ، والله خبير بما تعملون"

يحض المؤمنين على :

1- ذكر الله تعالى الدائم ، بل ينبغي أن يكون من أولويات الحياة الدنيا . ولن ينفع المرءَ ولدُه ولا ماله إن قصر في عبادته لله تعالى 

2- الإنفاق في سبيل الله علامة الإيمان به سبحانه فالله تعالى هو الرزاق ، والمال فضلٌ منه وخير ، وما يكون شكر الله إلا بالإنفاق في سبيل الله "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيعٌ فيه ولا خُلّةٌ ولا شفاعةٌ ، والكافرون هم الظالمون " البقرة 254 ، وعند الموت ولقاء الله يُحس المسلم أنه كان بخيلاً شحيحاً ويتمنّى لو كان كريماً ، ويسأل الله أن يُعيده للحياة ليكون من أهل البرّ والجود ، وهيهات هيهات .كان ما كان وأتى ما هو آتٍ 

وتابعْ معي هذه الصورة متدبراً حال الكفار يستجْدون العودة إلى الدنيا ليؤمنوا ويُصلحوا ما كان ،  " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " وتأمل الصورة الأخرى المشابهة في قوله تعالى : " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعملُ صالحا فيما تركت. كلا إنها كلمة هو قائلها ،ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " .

فهل يستجيب الله لهم ، حاشا وكلاّ، لقد سبق السيفُ العذلَ، 

فهل وعينا نهايتنا فعملنا لما يُنجينا .. اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك.

ملاحظة نحويّة توضح المعنى:

 قوله تعالى: " ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدّق وأكنْ من الصالحين" 

المقصود : ربِّ: لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّقَ، فإنْ أصَّدَّقْ أفُزْ وأكن من الصالحين.

أكُن معطوفة على جواب شرط محذوف ( أفُز) أمّا (المصدر المؤول من أنْ و أصَّدَّق الأولى فمعطوفة على مصدر متصيد من أخّرتني) وكأنك تقول: ( هلاّ تأخيرٌ فتَصَدُّق ) ... والله أعلم . 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين