إنكار طه الدليمي مبيت سيدنا علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ؟

في الثلاثين من الشهر السابع لعام 2018 أرسل أحد الأساتذة من بني العمومة على مجموعة خاصة منشورًٍا للدكتور طه الدليمي، هذا نصه: 

منثورات ( الفكر الرابع )

أسطورة مبيت سيدنا علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم

د. طه حامد الدليمي

رواة الأسطورة:

ممن روى هذه الحكاية ابن أبي عاصم في السنة، والنسائي في الخصائص، والحاكم في المستدرك، والطبراني في الأوسط والكبير، والطحاوي في مشكل الآثار، وابن أبي حاتم في تفسيره، والآجري في الشريعة، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق. 

انظر إلى مدى عمق إصابة تراثنا بالتشيع!

وذكرها ابن حجر في (الإصابة) بصيغة الجزم وحسنها في (فتح الباري:7/278). وممن صحح الحكاية أو حسنها غير ابن حجر: الحاكم وابن عبد البر وابن كثير وأحمد شاكر، والألباني (لكنه ضعفها في تحقيق السيرة النبوية للغزالي). 

انظر إلى هوس العلماء بالسند بعيداً عن المتن!

هذا والحكاية باطلة لا تصح، ضعفها جمع من العلماء منهم الإمام أحمد والترمذي وابن تيمية وبكر أبو زيد وشعيب الإرنؤوط وغيرهم. وقد رويت من أكثر من طريق كلها لا تصح. 

أحد طرقها أخرجه عبدالرزاق في مصنفه وعنه رواه آخرون، من حديث عثمان الجزري عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس. وعثمان الجَزري قال فيه أحمد: روى أحاديث مناكير زعموا أنه ذهب كتابه. قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال العقيلي: لا يتابع حديثه. على أن عبد الرزاق نفسه شيعي من بقايا الموالي الفرس في اليمن. وبه وبأمثاله زرع التشيع والتشيع الحوثي هناك.

ضرورة مراجعة القواعد القديمة في الجرح والتعديل وإضافة قواعد جديدة

وطريق آخر لأسطورة مبيت علي في الفراش، فيه أبو بلج يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم، وهذا الحديث من مناكيره كما قال الذهبي في (ميزان الاعتدال:4/384). وفيه أيضاً: قال فيه البخاري: فيه نظر. وقال ابن حبان: كان يخطئ. وقال الجوزجاني: غير ثقة.. ورغم هذا فقد وثق أبا بلج هذا غير واحد.

ورواية أبي بلج يمكن الرجوع إليها في (مسند أحمد:3/332) وهي ملأى بالمنكرات الشيعية. وقد فندها شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة:5/34-36) واحدة واحدة. ولا ينقضي عجبي من توثيق بعض علماء الحديث لمثل هذا، الذي يروي مثل هذا! وهذه النقطة تشكل معلماً بارزاً من معالم الخلل في قواعد (الجرح والتعديل) عند الأقدمين، تستدعي المراجعة والتغيير ووضع قواعد جديدة تعالج هذا العبث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، وعقيدة الأمة وإيمانها وثقافتها.

***

هذا من حيث السند. وأما متن رواية المبيت فمختل معتل لا يستقيم والعقل السليم. وللتفصيل موضع آخر.

28 تموز 2018

----------

ثم علّق عليه الأستاذ الذي أرسلها إلى المجموعة بقوله:

قرأتها بالأمس وأصبحت في حيرة من أمري

وكم سمعناها في خطب الجمعة

نرجو من أبي محمد الشيخ إبراهيم أن يُبين لنا إن كانت القصة صحيحة أم لا.

-------

فكتبتُ في جوابه، وكنتُ على سفر في مرسين بتركيا:

من جعل الدكتور طه الدليمي حَكَما على العمالقة من مشاهير الحفاظ أمثال ابن حجر وابن كثير وابن عبد البر وأضرابهم، فحقه أن يحتار.

هؤلاء الحفاظ ينطلقون في حكمهم على الوقائع من البحث العلمي البحت، وطلب الحق المجرد عن المؤثرات العاطفية والتوجهات السياسية.

ومع أنهم كانوا يبغضون الروافض كما يبغضهم الدكتور الدليمي أو أشد، ولكن عندهم من الورع والدين ما يحول بينهم وبين إنكار شيء من مناقب بني هاشم نكاية بالروافض.

ألم يشعر الدكتور الدليمي أنه بهذه المخالفة لهؤلاء الأعلام قد حكم على نفسه بسقوط كلامه واعتباره، وبأن علمه أوهام وشحمه أورام.؟

ولا يشفع له استظهاره بتضعيف الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، فإن الخلاف في التحسين والتصحيح والتضعيف كثير سائغ عند أهل العلم، خصوصا في حوادث السيرة التي هي من الأخبار التي لا تبنى عليها أحكام.

هذا إن سلّمنا بتضعيف الواقعة عند أولئك الأئمة.

فإن الدكتور الدليمي لم ينقل نصوصهم ولم يُحِلْ إلى مواضعها من كتبهم. 

وكان مقتضى المنهج العلمي أن يفعل ذلك.

لكن حتى لو سلّمنا بصحة النقل. فإن الدكتور الدليمي لم يقف عند حد التضعيف الذي نقله عن أحمد والترمذي، وإنما جزم ببطلان الواقعة، وزعم أنها "أسطورة". 

بمعنى أنها كذب مختلق، ولا رصيد لها من الواقع.

وهذا ما لم يقل به أحمد ولا الترمذي ولا غيرهما.

لم يقل به إلا الدكتور طه الدليمي الذي لا يعتد بموافقته إن وافق، فكيف وقد انفرد بالمخالفة؟! 

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين