إنشاء جامعة القاهرة .. تاريخ منسي من العلم العريق

 

يعد إنشاء جامعة القاهرة من أهم الأعمال المجيدة التي تمت في عهد عباس حلمي خديوي مصر ، وقد جاءت فكرة إنشائها بعد أن كتب مصطفى كامل الغمراوي مقالة حث فيه على إنشائها قائلا : إن ارتقاء المعارف في مصر لن يتم إلا بإنشاء مثل هذه الجامعة ، وأعلن تبرعه بمبلغ 500 جنيه لهذا الغرض النبيل ، فحاز بذلك سبق الشرف ، وكان هو أول المتبرعين لها ، ثم توالت التبرعات بعد ذلك ..

 ولكن أهم التبرعات السخية كان  من الأمراء يوسف كمال وحسن شريف باشا وحسن بك زايد ، حيث تبرعوا مجتمعين بـمبلغ 26 ألف جنيه و300 فدان أوقفوها على الجامعة ..

ثم تم افتتاح الجامعة المصرية رسميا في 21 / 12 / 1908م في احتفال حضره الخديوي عباس حلمي ، وذلك في مقرها المؤقت بقصر جانكلس ، حيث بدأت الدراسة في نفس اليوم ..

 هذا القصر هو الذي صار فيما بعد مكانا للجامعة الأمريكية في ميدان التحرير ، وقد تم استئجاره بمبلغ 400  جنيه سنويا ، وكان ذلك يمثل عبئا كبيرا على موارد الجامعة الوليدة التي بدأت تتعثر ماليا ..

 لكن أهل الخير من الأسرة المالكة ساندوها بأموالهم الخاصة حتى تخطت تلك الصعاب ، فقد قامت ابنة الخديوي إسماعيل وشقيقة الأمير أحمد فؤاد بتبرع فاق الخيال ، فقد أوقفت عليها 4 آلاف فدان كانت تملكها في محافظة الدقهلية ، كما وهبتها مجموعة كبيرة من الحلي والمجوهرات ..

 وأهدت إليها الأرض التي قامت عليها إدارة الجامعة وكلياتها في الجيزة ، وأوقفت كذلك 661 فدانا من أجود أراضيها في محافظة الدقهلية على هذا الأمر من ضمن 3357 فدانا كانت تخصصها للبر والإحسان، وجعلت للجامعة من صافي ريع تلك الأرض حوالي 40% كل عام.

وعندما تعذر على الجامعة إقامة حفل وضع حجر الأساس الذي كان سيحضره كبار رجال الدولة في مصر تكفلت تلك السيدة بالتكاليف جميعها، وتم الاحتفال في يوم (3 من جمادى الأولى 1322هـ=31 من مارس 1914م)..

 ثم ما لبثت الأميرة فاطمة أن أعلنت أنها ستتحمل تكاليف بناء الجامعة من نفقاتها الخاصة؛ ولذا عرضت مجوهراتها للبيع، وعندما لم تنجح محاولة بيعها في مصر تم عرضها للبيع خارج البلاد ، وتم بيعها بحوالي 70 ألف جنيه.

ورغم ذلك الفضل لا تكاد تجد لها ذكرا فيمن أثروا في نشأة الجامعة ، يقول الدكتور أحمد شلبي وهو يؤرخ لنشأة تلك الجامعة : ومن الغريب والمثير للخجل أنه في احتفالات العيد الماسي لجامعة القاهرة تبارى الجميع في ذكر من تبرع للجامعة من الرواد الأوائل ، ولكنهم كادوا ينسون اسم الأميرة فاطمة إسماعيل إلى أن ذكره أحدهم على استحياء .

ومن الأشياء التي تحسب لتلك لأميرة أيضا أن مقر المتحف الزراعي في القاهرة  ، والذي يقع على مساحة 30 فدانا ، ويعد أول متحف زراعي في العالم كان في الأساس هو القصر الذي تعيش فيه فاطمة ثم تبرعت به للجامعة ، والذي أنشئ عليه بعد ذلك المتحف الزراعي.

وكان عطاء تلك الأميرة يتجاوز حدود الإقليم المصري؛ فقد وهبت تلك الفاضلة في (6 من ربيع الأول 1339هـ=18 من نوفمبر 1920م) ثروتها البالغة مليوني ليرة ذهبية إلى جامعة إستانبول.

هذا وقد ارتقت الجامعة المصرية بسرعة مدهشة حتى إن ملك إيطاليا لما زار مصر وقتها ، وعرض عليه منحه الدكتوراه الفخرية منها سر بذلك ،  لأنه كان يعلم مدى اهتمام الملك فؤاد شخصيا بها وبنجاح رسالتها  .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين