من رأى ما عليه جمهور الناس من المغالاة في المهور ، وقصم ظهر كلا العروسين بشروط جائرة ، وتكاليف باهظة ، تجلب الحزن ولا تجلب الفرح ، وتثقل الكاهل بالديون ،
ويرى مع ذلك كثرة حالات الشقاق ، وكدر العلاقة بين الزوجين ، وارتفاع نسب الطلاق = يعلم يقينا أن ما يفرضه والد العروس -أو والدتها أحيانا إذا كانت هي الحاكمة بأمرها- من مؤخر عالٍ وتجهيزات باهظة ، ليس هو الذي يحفظ العلاقات ويقيمها ؛
بل الذي يقيم العلاقة= هو البحث -بدأب - عن الزوج( الرجل )
الذي يحفظ المرأة ولا يضيعها ،ويكرمها ولا يهينها .
إنك أيها الوالد الكريم وأنت أيتها الأم لو خيرت بين أن تتجهز ابنتكِ بالملايين ، ثم لا تمر فترة قصيرة حتى تأتيك باكية شاكية من سوء المعاملة، وترفع الزوج وكبره وعدم تقديره ،
(وربما زاد ألمك إذا بقيت مدة بجوارك ومعها منه ولد أو بنت ) ،
وبين أن تُزوجي ابنتك لرجل يحفظها ويربيها ويقدرها ،
وارتحت من همومها وأحزانها ونسيت أنك زوجتِها من قلة مشاكلها
= لاخترت بلا ريب الخيار الثاني .
لكن الذي يحملكم أيها الآباء -وأيتها الأمهات - على التنازل عن صفاته إذا وافق على شروطكم= هو الفخر والسمعة والتكاثر والتباهي الزائف بما أحضر من هدايا ، وجلب من ذهب ، وجهز من رياش .
نعم هو التفاخر. [ هذا هو الغالب في ما أحسب ].
والذي يحملكم على عدم اختيار مستور الحال مع ديانته وخلقه= هو الخوف من كلام الناس وشماتتهم ، والظن السيء بأن مثل هذا لن يسعد الفتاة لأنه لن يقدر على ما يقدر عليه الأثرياء .
ياوالد العروس :
البيوت تقوم على الفقر مع التراحم والتواد والتحمل،
ولا تقوم على الغنى مع الظلم والفجور في الخصومة .
إني أعلم -ولعلك أيضا تعلم - بيوتا من بيوت الأثرياء ظاهرها النعمة والرحمة وباطنها العذاب والألم ،
إذا وقفت على حقيقتها = وجدت زوجا قاسيا فظا غليظا تمضي الزوجة أيامها في بيته لتربية أولادها وخشية الفضيحة فحسب ،
وإلا لكانت خرجت تصرخ أنقذوني من هذا الذئب الذي لا يبحث إلا عن شهواته وملذاته .
وأعلم -وتعلم - بيوتا مستورة
يكدح فيها الرجل والمرأة لكنهما سعيدان راضيان .
إن أعظم أمنية أتمناها لبناتي أن يرزقهن الله برجال دينين مستقيمين ،
ولا يرجعن لي بعد زواجهن كسيرات حسيرات قد تمررت عيشتهن بعد حلاوتها، وتكدرت بعد صفوتها
وجف عودها بعد إيراقه وخضرته ونضارته .
فاتقوا الله معشر الآباء في بناتكم ، ولا يغرنكم المنظر واسألوا عن المخبر والأصل الذي نبع منه
فإن وجدتموه سليما = فلا عليكم أن تبحثوا عن الغنى والنعمة ،فإنها إن انضمت إلى الأصل والشرف والديانة كانت نورا على نور ،
وإلا تفعلوا فقد بؤتم والله بالصفقة الخاسرة .
وربما بدعاء بناتكم عليهم لأنكم لم تنصحوا لهن ولم تحسنوا اختيار من يتزوجهن .
فاستقيموا يرحمكم الله.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول