إلى علمائنا الأفاضل

لست أولا من المختصين في العلوم الشرعية ،وليس لي أن أخوض معكم فيما تخوضون فيه من تفريعات وتفاصيل تتصل بما يقع اليوم من حركات على امتداد العالم العربي ،ولكنني أرى في خطابكم مسائل أرجو أن يتسع صدركم لها فان أخطأت فمن الله أجر من اجتهد فأخطأ ، ومنكم التسديد والتصويب.

يعاني الفكر الاسلامي المعاصر اليوم من انسداد غريب يجهض أي دور يمكن أن يلعبه في الحياة ،فأكثر علمائنا ومنهم من يخوض اليوم في تفاصيل حكم الدفاع عن شرف وعرض ودين وحياة الأفراد والأمة وفق أقوال المذاهب الأربعة ،ولست ممن يدعون الى تجاوز هذه المذاهب، يتكلمون بلغة هي أقرب الى لغة أهل المريخ منها الى لغة أهل الأرض ،و ينقلون من الكتب القديمة ويعلقون عليها بطريقة يكاد لا يفهمها الا هم أنفسهم مما يجعلنا نتساءل الى من يوجه هذا الخطاب ومن المقصود منه .
يا أسيادي لا بد من الانتباه الى أن المنطقة بكاملها قادمة على تغييرات بنيوية ،ويخطئ من يتصور أن التغيير المرغوب أو المطلوب هو تغيير رأس السلطة فقط ،المسألة تقتضي تغييرا في القيم والأخلاق والخرائط الفردية والجماعية للعمل ،وأخشى ما أخشاه أن الثورات التي بدأت رفضا واعتراضا على الظلم والجوع والاغتصاب – ولا يقلل هذا من شرف هذه الثورات لأن من مات دون ذلك هو بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيد ،والثورة الفرنسية بدأت ثورة ضد الظلم ثم صار لها فكر عرفت به -أخشى ما أخشاه أن الثورات العربية اليوم مع أداء مشايخنا الأفاضل -ومنهم من خدرته جرعات عالية من التصوف الانعزالي ومنهم من مايزال مصرا أن يتحدث الى العالم بلغة الائمة الكبار رضوان الله عليهم ولا يزيد عليها في سياسة صار لها علمها ومصطلحاتها ومنطقها - سيقودها وسيكرس فكرها العلمانيون الذين يجيدون التفكير والتعبير أكثر من المسلمين ،ولن تجد الأجيال القادمة أحدا من علمائنا الأفاضل تنسب له فكرا للثورة والتغيير الا من رحم ربي ،والله اني لأخجل أحيانا من اجتهادات بعض علمائنا وهم يفندون أحكام الخروج على الحاكم ومن هم البغاة وماهي الفتنة التي يصبر على الظالم الفاجر خوفا منها ،وأقول في نفسي والله لو ترجمت هذه الأحاديث ليسمعها العالم لبصق العالم كله في وجهنا ،سأقترح عليكم سادتنا أن تجتمعوا معا وتناقشوا أحكام مذاهبكم بلغتكم السنسكريتية في مسجد من المساجد التي عادت السلطات اليوم تعتني بها من باب بياض الوجه ،ودعوا الناس ينتزعون لقمتهم وشرفهم وشرف بناتهم وكرامتهم مقتدين بذلك بعزة وكرامة الصحابة الكرام الذين لو طلب منهم تفنيد الأحكام بالاساليب السلطانية لما أجادوا كتابة سطرين ،هل تظنون أن مشايخ مذهب معين قد وقفوا مع السلطان أوضده بعد أن راجعوا أقوال أصحاب المذاهب أم أنها المصالح أو الخوف والقلق أو الزعامات الروحية ،لقد سئمنا تقعراتكم التي لا يبدو أنها ستنتهي ،ياأسيادي العصمة للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ،وقد أمرنا بالاقتداء بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ،وكل من عداهم يجوز عليه الخطأ ومحدودية الفهم ،والوقوف عند معطيات المرحلة التاريخية المعرفية التي كان فيها ، ياأسيادي أصحاب المذاهب على رأسي وعيني ،وأنا ممن يدعون الى ضرورة التمذهب في أكثر مجالات الحياة ،ولكن أن تملأ الصفحات بتفسير وتأويل ماقاله مالك أو الشافعي لأصحابه باعتباره المرجع الوحيد لاستصدار الأحكام وفي قضية ساخنة الحق فيها واضح وظروفها شديدة التغير والاختلاف عما كانت عليه الأمور في الماضي ،فهذا مالا يقبله عقل في القرن الحادي والعشرين .
لكم في الاجتهاد الجماعي فسحة كبيرة ان لم تكونوا منفردين أهلا للاجتهاد ،والقرآن الكريم والسنة المطهرة بين أيديكم ،وأقوال أصحاب المذاهب على العين والرأس ،ولكن عليكم أن تصوغوا خطابا معاصرا يقنع المسلم وغير المسلم باستحقاق الاسلام لريادة حركة التغيير.
لقد حدد الفقهاء مقاصد خمسة أوستة للشريعة هي حفظ الدين والنفس والمال والعقل والعرض الخ ،وكان هذا خطوة كبيرة في مسار تطور الفكر الفقهي بعد أن كان الفقه ركاما من الأحكام التفصيلية والعامة ،ترى ألا يلزم اليوم اعادة نظر في هذه المقاصد ،لقد دعا ابن تيمية يوما الى اضافة الكرامة وابراء العقود الى هذه المقاصد ،ألا تحتاج هذه المقاصد الى اعادة صياغة تناسب أخلاقيات العالم اليوم ولغته وتعبر عن ثوابت الشريعة كما هي في القرآن الكريم والسنة المطهرة لا كما عبر عنها أصحاب الحواشي الأفاضل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين