إكرام الجار

الأستاذ : صالح محمد الشاهد
حث الرسول الكریم صلوات الله وسلامه علیه علی إكرام الجار وعدم‏ إیذائه فقال:«من كان یؤمن بالله والیوم والآخر فلا یؤذ جاره:وقال والله‏ لا یؤمن والله لا یؤمن والله لا یؤمن.قیل من یا رسول الله قال.الذی لا یأمن‏ جاره بوائقه».
فلا یكون مؤمناً ولا یصح أن یعد مسلماً من كان مؤذیاً لجاره مسیئاً إلیه‏ ذلك لأنَّ الجار أمر طبیعی لا غنی للإنسان عنه ولا طمأنینة فی الحیاة بدونه، وكل‏ امرئ‏ء منا یشعر بأن علیه قسطاً عظیماً من سعادته وسعادة أهله وأبنائه بعلاقته‏ مع جیرانه.
فإن كان معهم متعاوناً متبادلاً المحبة والاحترام كان مستریحاً آمنا مطمئناً سعیداً هانئاً.
وإن كان معهم فی خصام وشجار وتباغض وتحاسد:كان متعباً مضطرباً خائفاً قلقاً.
لذلك كان من أهم ما أوصی به الدین وحث علیه:رعایة الجار والقیام بحقه‏ وإحسان معاملته والامتناع عن كل ما یسیئه فی نفسه أو أهله أو ماله أو ولده‏ أو داره أو طریقه قال تعالی: [وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ{النساء:36}  .
فالدِّین الإسلامی الذي جمعنا الله علیه وشرفنا بالهداية إلیه وأخرجنا من‏ الظلمات إلی النور: ما عرف خیراً إلا وكان سبَّاقا إلیه، ولا معروفاً إلا وكان‏ آمراً به وحاثاً علیه، ولا إحساناً إلا ورغب فیه وحبب إلیه.
فمن الخيرات التي حبب إليها الدين ورغب فيها وحث عليها:
«الإحسان إلی الجار»وأخذه بالرفق والرحمة ومعاملته باللین والحسنی‏ ما استطاع الإنسان إلی ذلك سبیلاً.
ذلك لأن الجار هو قطعة من الإنسان، فهو أول شخص یجیره إذا استجار، وأول إنسان یعینه إذا استعان، ویغیثه إذا استغاث، ویلبّي نداءه إذا ناداه، ویجیبه فی ظلام اللیل إذا اشتكی وجعاً أو مرضاً أو ألماً أو نزلت به نازلة.
فهو یمین الإنسان فی النوازل، وأخوه الذی یشدُّ عضده فی الكوارث یفرح‏ لفرحه، ویحزن لحزنه، ویتألم لتألمه ویسر بسروره.
فهو الصدیق وإن نبا بك منزل‏            وأخوك وإن ضاقت بك الأرجاء
    یرعی الجمیل ولا یضن لحادث‏      عند الشدائد والرخاء سواء
فالجار هو الأخ لمن لا أخ له، وهو الصدیق لمن لا صدیق له وهو المعین لمن‏ لا معین له، وهو النصیر لمن لا نصیر له، فهو من نعم الله العظیمة علی الإنسان،  وكل نعمة لا بد فیها من الشكر.وشكر هذه النعمة یكون بالإحسان إلی هذا الجار والعطف علیه إن كان ضعیفاً، ومد ید المعونة إلیه إن كان فقیراً، وأن‏ تفیض علیه مما أنعم الله به علیك، وأن تسأل عنه وتزوره فی حضرته، وتكون‏ الحارس الأمین علی بیته فی غیبته، وأن تحافظ ما استطعت علی كرامته، وأن‏ تجتنب كل ما یؤدی إلی انتهاك حرماته، وأن تطمئن دائماً علی صحته.وتبادر فی‏ حالة المرض إلی عیادته، وأن تعمل ما استطعت علی تحسین حالته، وأن تجتهد فی استبقاء مودته، فقد ورد فی الأخبار عن النبي المختار صلی الله علیه وسلم أنه قال:«أتدرون ما حق‏ الجار؟قال:إن استغاث بك أغثته، وإن استقر استقرضك أقرضته.وإن افتقر عدت‏ إلیه وإن مرض عدته، وإن مات اتبعت جنازته، وإن أصابه خیر هنأته، وإن‏ أصابه مصیبة عزیته، ولا تستطیل علیه بالبناء فتحجز عنه الریح إلا بإذنه، وإن‏ اشتریت فاكهة فاهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا تخرج بها ولدك لیغیظ بها ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها.أتدرون ما حق الجار والذی‏ نفسی بیده لا یبلغ حق الجار إلا من رحمه الله».
 كذلك من حق الجار علی جاره :أن یعیش معه عیشة صافیة راضیة یذكرها له‏ فی حیاته بالشكر والإعجاب، وبعد مماته بالثناء المستطاب ، ویكون لأولاده من‏ بعده صدراً حنوناً، وبهم رءوفاً رحیماً، ولهم مساعداً ومعیناً.
قال تعالی:[وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{النساء:9} .
ازرع جمیلا ولوفی غیر موضعه‏          فلا یضیع جمیل أینما وضعا
إن الجمیل وان طال الزمان به‏            فلیس یحصده إلا الذی زرعا
وإذا كان الحال كذلك ولیس للإنسان غناً عن جاره حیث كان یمینه وساعده‏ فمن حق جاره علیه: أن یكف نفسه عن أذاه. فلقد ورد أنه قیل لرسول الله‏ صلی الله علیه وسلم یا رسول الله :إن فلانة تصلي اللیل وتصوم النهار وفی لسانها شی‏ء یؤذی جیرانها قال:"لا خیر فیها هی فی النار»
ومن حق الجار علی جاره :ألا یغتاله فی ماله، وألا یتجسس علیه ویلوكه‏ بلسانه، وألا یظن به إلا خیراً، قال تعالی:  [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ{الحجرات:12}
ومن حق الجار علی جاره : ألا یتفاخر علیه بما آتاه الله من نعمة فی مال أو صحة أو ولد.
قال تعالی: [وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا{الكهف:32} .«والمراد بالصاحب هنا الأخ والجار لأن المحاورة كانت بین أخوین».
 من ذلك‏ نعلم أنه لا یلیق بمسلم أن یفتخر علی جاره بماله، ولا أن یحقد علیه إن كان أیسر حالاً منه، فان ذلك لیس من الإیمان فی شی‏ء،
وإنما الإیمان ما وافق قول الرسول صلی الله علیه وسلم: «اتق المحارم تكن أعبد الناس ،وارض بما قسم لك تكن أغنی الناس، وأحسن إلی جارك تكن مؤمنا ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً».
هذا ولا یفوتنی أن أذكر هنا ما ورد عن رسول الله صلی الله علیه وسلم فی تقسیم الجیران‏ إلی ثلاثة أقسام وبیان حق كل قسم:فقد روی عن رسول الله صلی الله علیه وسلم أنه قال:«الجیران ثلاثة:جار له حق واحد وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق.فالجار الذی له ثلاثة حقوق:الجار المسلم ذوالرحم:له حق الجوار وحق الاسلام وحق الرحم. وأما الذی له حقان فالجار المسلم له حق الجوار وحق الاسلام.وأما الذی له حق واحد فالجار المشرك له حق الجوار».
وهذا هوالمراد بقوله تعالی فی الآیة الكریمة: [وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ{النساء:36}
هذه آداب إسلامیة عالیة أدَّب الله بها عباده المؤمنین، فمن كان یرجو الله والیوم‏ الآخر، فلینسج علی منوالها یكتب الله له سعادة الدنیا والآخرة ویسكنه جنات‏ تجری من تحتها الأنهار خالداً فیها وذلك جزاء المحسنین؟
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه و سلم.
 
المصدر : مجلة منبر الإسلام السنة السادسة محرم 1368هـ المجلد الأول.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين