إعلان منظمة النصرة العالمية الثاني في الكويت - منظمة النصرة العالمية تعلن بيانها الختامي
 
إعلان منظمة النصرة العالمية  الصادر عن مؤتمر النصرة الثاني في الكويت
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن المجتمعين في مؤتمر "منظمة النصرة العالمية" المنعقد في دولة الكويت بتاريخ    4 – 6/11/1429هـ الموافق 2 – 4 /11/2008م يعلنون توافقهم بعد المداولة والبحث حول القضايا الرئيسة التالية، المتعلقة بالدعوة والبلاغ، وإحياء روح التبشير الصادق لدى المسلمين:
أولاً: إن النصرة مبدأ قرآني محكم ( فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )[الأعراف/157], (وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [الحشر/8] في آيات ونصوص كثيرة.
وهي فعل ابتدائي يقتضيه الإيمان والحب، وفعل استراتيجي عميق ومستمر، وهي المقصد العظيم الذي يُتّكأ عليه في كافة الظروف، ويُركن إليه في جميع الأحوال، وليس رد فعل طارئ يتسم بالوقتية وينتهي بموقف عابر.
ورد الفعل على أيِّ إساءة أو استفزاز هو طبيعي ومطلوب، شريطة أن يكون سليماً معتدلاً منصفاً؛ بيد أن المطلوب –أيضاً- أن لا تكون النصرة عابرة سريعة الانطفاء، وأن نسعى لتحويل رد الفعل إلى فعل جاد وطويل النفس، وأن لا يحملنا الغضب على تعميم الحكم على الآخرين، بما يحول بيننا وبين البلاغ والرسالة الهادئة الحكيمة.
ثانياً: ثمت مؤسسات وجهات وأفراد حاولت قدراً من الإنصاف، ووقفت مع قضايا العرب والمسلمين والمظلومين عموماً موقفاً إيجابياً يتسم بالعدالة ومحاولة التفهم ورعاية الحقوق، ولا يستوي هؤلاء مع من يعلن الحرب ويمارس الظلم والعدوان والعنصرية ضد المسلمين.
وعلينا السعي لبناء الجسور، ودعم المنصفين، وحملهم على المزيد من العمل لنصرة القضايا العادلة والمواقف الإيجابية.
ثالثاً: من الضروري تخفيف حدَّة الخلافات، التي تعصف بالصف الإسلامي حول القضايا الفرعية والاجتهادية، مع بقاء المجادلة والحوار بالتي هي أحسن، على ألا يُستنزف الوقت والجهد في مسائل مكررة، يعاد إنتاج الجدل حولها ولا ينتهي، وصرف الجهد والوقت في ميادين هي أحق وأولى؛ كميدان تبليغ الدعوة والرسالة لغير المسلمين، وميدان صناعة الإبداع والتفوق في المجتمع الإسلامي.
إن الاجتماع على المحكم من الدين هو عصمة من الخلاف المذموم، والكليات الكبرى، أو ما يسميه العلماء بـ"الدين الجامع" هي أساس للوحدة، وهي أعظم وأرسخ من أي اختلاف فرعي أو اجتهادي.
رابعاً: يجب تقديم صورة واضحة وصحيحة للإسلام، مأخوذة من القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية، لتكون محلاً للنشر والبلاغ والترجمة لغير المسلمين، ويمكن الاعتماد هنا على المصحف الكريم وترجماته المتعددة، التي نشرها مجمع الملك فهد في المدينة النبوية، وعلى كتاب (هذا رسول الله) الذي نشرته منظمة النصرة، وحرصت على أن يكون محتواه مما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله ومواقفه، التي تجلّي رسالته، وتبين شخصيته بغير لبس أو غموض أو اختزال، أو أي مصدر آخر موثوق في السنة والسيرة.
ويحسن تقديم هذا المضمون العظيم للإسلام بكافة الوسائل لعموم المسلمين ليجتمعوا عليه، ولغير المسلمين ليقرؤوا فيه الإسلام والنبوة على حقيقتها.
خامساً : النصرة تكون وفق المبادئ السلمية الهادئة ، ومهمة العاملين في ميدانها توجيه مشاعر المسلمين وجهة الفعل الرشيد المنضبط المحقق للمصلحة وتجنب ردود الأفعال السلبية المدمرة ، ونصرة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم إنما تكون باتباع سنته وهديه كما قال تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) وكما قال صلى الله عليه وسلم :" ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"
سادساً : واستمراراً لهذا النهج فإن على علماء المسلمين ودعاتهم وقادة الرأي فيهم أن يربوا شباب الأمة على العلم الصحيح ، والتصرف السليم الملائم ، وحمايتهم من الأفكار الغالية التي تؤول إلى التكفير والقتل والتفجير ، وتضر بواقع المسلمين وتعوق مسيرة البناء والتنمية والدعوة وتطلق ألسنة الشانئين في الاسلام ونبي الاسلام عليه الصلاة والسلام .
        سابعاً : إن النصرة الشاملة إنما تكون بنصرة دين الله وأنبيائه ورسله جميعاً عليهم الصلاة والسلام ، ونصرة الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآل البيت رضي الله عنهم أجمعين لانفرق بين أحد منهم وأن تجتمع الأمة على هذه المعاني الرفيعة السامية ، وتقتدي بأخلاقهم وسلوكهم " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " .
ثامناً: دعوة الدول الإسلامية والمؤسسات والجمعيات إلى تقديم الأنموذج الصادق المعبر عن هذا الانتماء، بالاتجاه إلى البناء والتنمية والعدالة والحرية المسؤولة؛ ليكون الوجود الإسلامي قدوة حسنة في إدارة الحياة، وحسن التفكير، والقدرة على الاستيعاب، فإن العالم يؤمن بالواقع العملي المشاهد أكثر مما يؤمن بالأقوال.
وإذا تحقق في العالم الإسلامي صورة الدولة النموذجية، والمؤسسة النموذجية والفرد النموذجي، فسيكون هذا أبلغ من أي عبارة تقال بشأن الإسلام.
تاسعاً: إن من المهم أن يتم إبراز المضامين الأخلاقية والإنسانية والحضارية لرسالة الإسلام، وإظهار المعاني والقيم العظيمة التي جاء بها، والحديث المستفيض عن الحقوق التي تشكّل منظومة قيمية متكاملة للحياة، بدءاً من الاهتمام بالبيئة والمناخ والجماد ، إلى حقوق الحيوان والطير، إلى الحقوق الإنسانية على صعيد الأفراد والأسر والمجتمعات والدول، للأجيال الحاضرة والقادمة، وانتهاء بالمخاطبة الإنسانية الواسعة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) [الحجرات/13].
        والحديث عن هذه المعاني ضروري للمسلمين؛ ليكتشفوا جانباً غفل عنه كثير منهم، وليحولوه إلى سلوك عملي واقعي ينتظم حياتهم، ويكفل لهم السعادة والرضا والحياة الطيبة كما وعد الله في كتابه.
وهو ضروري لغير المسلمين؛ لأنه يقدم لهم الصورة الحقّة لهذا الدين، وكما قال سبحانه : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ )[الأنفال/42]
عاشراً: إن من واجب البلاغ تقرير المشترك الإنساني والحضاري، والبناء على المكتسب الإيجابي في جوانب القيم والأخلاق والمصالح الإنسانية العامة، والخبرة والتجربة البشرية التي بيّن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله كيف يمكن للمسلمين أن يقتبسوها ويستوعبوها في نصوص كثيرة، وهي من الحكمة، والحكمة ضالة المؤمن، (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) [البقرة/269].
إن الانكفاء والعزلة لا توصل دعوة، ولا تحمي مجتمعاً بل هي دلالة على الضعف، وعلامة الخوف، وعنوان الهزيمة.
وروح الإشفاق والبشارة والنّذارة تقتضي دعم التواصل، والتعاون على الخير، وقد شهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين حلف الفضول لإنصاف المظلوم وردع الظالم، وقال: « لَوْ دُعِيت إِلَى مِثْله فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت ». كما في الصحيح.
فالأمة الرشيدة أمة إيجابية عالمية، إن دُعيت لخير أجابت، وإن تُركت ابتدأت وبادرت.
حادي عشر: من الأهمية بمكان أن تقوم المؤسسات العديدة والضخمة المتخصصة بتقديم رسالة الإسلام لغير المسلمين، بكافة الوسائل الممكنة والمتجددة، وأن تتعاون هذه المؤسسات فيما بينها، بما يخدم رسالتها العظيمة المقدسة.
وإن (منظمة النصرة العالمية) لهي واحدة من هذه المؤسسات، قامت لا لتكون بديلاً عن أي مجهود سابق؛ بل لتكون يداً مع تلك الأيدي الممتدة بالخير، الداعية إلى الله وإلى دينه، المتعاونة مع جميع العاملين للإسلام، دون تمييز مذهبي، أو حزبي، أو إقليمي.
ثاني عشر: يشهد العالم اليوم تواصلاً بشرياً منقطع النظير، وقد أسهمت التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال والمواصلات في تقريب الهوة بين شعوب العالم، وعلينا توظيف هذا الانفتاح، وهذه الإمكانات الهائلة لمصلحة البلاغ المبين، وإقامة جسور التواصل الحضاري مع العالمين.
إن القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية، والمنتجات الثقافية والفنية، وتقنيات الاتصال المختلفة؛ لهي مدخل عظيم للدعوة، والتأثير والبيان، وتقديم الصورة الحقيقية لثقافتنا وتاريخنا وديننا، إذا أُحسن استخدامها، وتولى شأنها المتخصصون المحترفون المبدعون.
وإن مراعاة البعد الجمالي والجاذبية والتشويق لهو مطلب شرعي، وحاجة فطرية، لا تتنافى مع مقصد الرسالة ومضمونها، بل تدعمه وتزكيه، خاصة والخطاب موجّه لشرائح مختلفة، وفئات عمرية متفاوتة، وشعوب عديدة.
ثالث عشر: لا يمكن أن يستمر العمل إلا بتمويل ثابت مخصص لجهود البلاغ والدعوة والترجمة والتواصل مع العالمين، ولذا ينبغي العناية بإحياء الأوقاف وتفعيل دورها، وصياغة نماذج وقفية في صكوك الواقفين، وإدارة الوقف، ونظارته، وأنواع الأموال الموقوفة، بما يكفل حفظ الوقف واستمراره.
ويدعو المجتمعون الدول والمؤسسات ورجال الأعمال والمال إلى تخصيص أوقاف كافية للعمل الإعلامي والتربوي والدعوي، تحقيقاً للمشاركة في البلاغ، والتماساً لدوام الأجر الموعود، في قوله -صلى الله عليه وسلم-:« إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ »؛ كما عند مسلم.
والمجتمعون يدعون الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم، حكومات ومؤسسات وشعوباً وجماعات وأفراداً في مقام القدوة الحسنة، وفي مقام الكلمة الطيبة، ويدعون الله تعالى أن يحفظ المسلمين جميعاً، ويهديهم لأرشد أمرهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق والبر والهدى إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين