إطلاق أحكام التعميم من أسباب تفرق المسلمين

التعميم:

أخذ الأمور بمجملها وترديدها دون النظر إلى التفاصيل، أو الأسباب، أو المُبررات، التي دعت للقيام بها.

ثم بعد ذلك تعميمها على جماعة أو حركة أو كتيبة ... فيؤدي ذلك لاختزال المجموع بفعل أفراد، فهي من الناحية المنطقية انتقال من الجزئى إلى الكلي.

إذا التعميم: (ألا ينسب الفعل للشخص أو الحالة بل إلى المجموع).

 

* الوقوع في الخطأ صفة بشرية:

في المجتمع النبوي (المثال) ـ  من تخلف عن الغزو، ومن وقع في الزنا، ومن تشفع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حد من حدود الله، وفيهم من اعترض على اجتهاد رسول الله كما في الحديبية، فيهم من اختلف في تقسيم الغنائم، وفيهم من ضعف فحاول إخبار العدو بمخطط المسلمين (مع ملاحظة أن الصحابة رضوان الله عليهم أوابون للحق).

* من الأخطاء الشائعة استعمال سوط التعميم، وأخذ الصالح بجريرة الطالح، والمناداة بمبدأ: (السيئة تعم).

 

وههنا وقفات:

الأولى:

إنّ منهج تعميم الحكم للجميع، منهج يضاد الشريعة، والتحفظ من سقطات اللسان، وكبوات الأقلام، في تعميم الأحكام منهج القرآن:

 

- اليهود والنصارى لم يحكم عليهم القرآن بأنهم كلهم أهل سوء وشر، بل بين أنهم ليسوا سواسية في الحكم، يقول تعالى: ?لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ?

 

- وقال عن الأعراب: {وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) }، فانظر إلى العدل والإنصاف وعدم تعميم الأحكام للجميع.

 

-  وكذا المنافقين، ومن تصفح سورة التوبة يجد إنصاف القرآن في وصف المنافقين بحرف الجر (من) الذي يفيد التبعيض في قوله تعالى: "ومنهم من يلمزك في الصدقات"(سورة التوبة58) وقوله: "وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ" (سورة التوبة 61) "وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ"سورة التوبة 75،  وقوله تعالى: "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ" سورة التوبة 49.

 

- حتى في مقام المؤمنين ذكر الله سبحانه أنهم ليسوا في درجة واحدة  في وفائهم وثباتهم، وحبهم للشهادة قال تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" سورة الأحزاب 23.

 

الثانية:

أسلوب التعميم وإطلاق الأحكام والتضخيم له آثار سيئة، فبدل من أن نحكم على موضوع ما أو شخص ما نتيجة ذلك الفعل، نجد أننا قد حكمنا على الآلاف من البشر نتيجة فعلة ذلك الشخص أو تلك الظاهرة، دونما بحث أو تحرٍّ أو إنصاف، وهو منهج باطل دل عليه السنة والكتاب.

 

والتعميم له آثار سيئة على المجتمعات والشعوب وتكاتفها وتساندها وخصوصا أيام الأزمات والحروب والكوارث، يؤدي لتنافرها، والبحث عن المثالب والمساوئ لدى الآخر، ليرد الصاع صاعين، والكلمة كلمتين، فهو من انتصار الحر لنفسه إن لم يك يرض بسلوك فرد أو موقف من أفراد جماعته.

 

الثالثة؛

* من منهج الغرب تعميم الأحكام في أهل الإسلام، لانتشار هذه الثقافة، ولتكريس التخلف والانقسام، وما وسمهم للمسلمين جميعا بسمة الإرهاب، إلا عبارة عن تفتيت الجسد إلى قطع وأجزاء ليسهل عليهم الإفساد، وقل مثل ذلك في إطلاق كلامهم وأحكامهم عن تخلف المرأة المسلمة، ومثله في تعميق أن المسلمين قوم همج لا يليق بهم ديمقراطية ولا اختيار، فلا بد من حكم العسكر لكي تدين البلاد!

 

أخيرا:

* قبل أن ننفعل في تعليقاتنا، لنتذكر قول ربنا -سبحانه وتعالى-: [ ولا تزر وازرة وزر أخرى ]. فلا تكاد تجد جماعة أو تنظيما أو حزبا أو كتيبة إلا وفيها الصالح والطالح، واشتمل على إيجابيات وسلبيات، فإذا كان الشخص رأى موقفا سيئا من شخص ما، فلا يمكن أن يعمم الحكم على الجميع.

قال الله جل وعلا: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ}

وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}

وقال:{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين