إشعال الجبهات………..الرمق الأخير

 

أصبح من العبث المتكرر وصف بقاء المدنيين على قيد الحياة وخسارة المساحات المحررة تباعاً صموداً أو انتصاراً؛ لأنَّ الهزيمة لم تكن يوماً صموداً، وإلا فلماذا اعتبر الكثير من السذج منا تهجير الأهالي في داريا هزيمة؟!  فلو كان الانتصار والصمود عبارة عن الاكتفاء بالمشاهدة والنأي بالنفس فمن الأولى إذًا اعتبار تهجير أهالي داريا والوعر انتصاراً وعدم استخدام مصطلحات الهزيمة مع أيقونة ثورية ضمَّت أسمى معاني النصر والعزيمة على مدى نصف عقد.

وبالرغم من أنَّ الثورة السورية لم تمر منذ انطلاقها في آذار عام 2011 بأوضاع صعبة كما هي الآن حيث لم تعد المشكلة مسألة سياسية تتلخص في إيصال معاناة الشعب السوري للدول الكبرى ومنعها من التضامن مع الأسد ونظامه بل يمكننا القول بعيداً عن العاطفة اللاعقلانية إنَّ المعركة الآن هي معركة عسكرية أسقطت بجحافلها الأوراق السياسية وجميع الآمال السياسية التي تنتظر حلولاً من دول عربية وغربية هي نفسها من خذل فلسطين لعقود.

أي حلٍ سياسي ومئة شهيد يرتقون في حلب يوميا نتيجة القصف المتكرر من طائرات الأسد وبوتين؟! فقد بدا واضحاً للعلن نية الأخير في القضاء على الثورة السورية نهائياً بهدف تحقيق مصالحه الاقتصادية والسياسية في سوريا، فالطريقة التي يتبعها نظام الأسد وروسيا في قتل المدنيين إضافة إلى سياسة التهجير تشير إلى خطة أمريكية روسية أو ربما بندٌ من الاتفاق الأمريكي الروسي لمَّا يعلن عنه بعد ويقضي بإعطاء مهلة زمنية للأسد يستطيع من خلالها إفراغ سوريا من معارضيه.

كما لم تشهد جبهات حلب اندلاعاً منذ بداية الثورة السورية كما هي عليه الآن، ففي جنوب وغرب حلب محاولات بطولية لصد الهجمات التي يقوم بها نظام الأسد مدعوماً الميليشيات على المدينة وريفها، ناهيك عن معارك درع الفرات والتي ساهمت بشكل كبير في اتساع الرقعة المحررة والتمهيد لإقامة منطقة آمنة بمساحة 5 آلاف كم مربع، بالإضافة إلى تحرير عدة قرى وبلدات ومساحات واسعة من ريف مدينة حماه ضمن غزوة الشهيد مروان حديد التي حققت وتحقق إنجازات كبرى في إلحاق الخسائر بقوات الأسد و الميليشيات  المساندة له.

عند تناولنا هذه المعارك من جوانب أخرى نلاحظ تضارباً واسعاً في الآراء بين مؤيد ومعارض لمثل هذه المعارك بحجة أنَّ فك الحصار عن حلب أولوية، ومن هنا يمكننا القول: إنَّ معركة درع الفرات -وإن لم تشكل تناقضاً عسكرياً ضمن الفصائل- أدت لتضارب واسع في فتاوى شرعيي الفصائل، ولكن هذا لا يعني إيقافها، ومعركة حماه أيضاً هي الأخرى أدت لخلافات عسكرية بين أكبر الفصائل العسكرية لكنها أيضاً استمرت وحررت مساحات واسعة من الريف الحموي، فيمكننا اعتبار زمن المعركتين غير مناسب، لكن لا يمكننا إنكار  مشروعية أهدافهما سواء إقامة منطقة آمنة في حلب أو تحرير مدينة حماه.

ومع غياب الحلول السياسية وتضارب الرأي بين الجانبين الروسي والأمريكي تبدو هذه الحلول مستحيلة إلا إذا غيرت الانتخابات الأمريكية المرتقبة الموقف على طاولة المفاوضات، فالتصريحات الأخيرة تؤكد أنَّ الحل يميل إلى الناحية العسكرية مع تأكيد كل الأطراف على فشل الهدن بما فيهم الهيئة العليا للمفاوضات بلسان رئيسها أسعد الزعبي الذي قال بوضوح: “البديل عن الحل السياسي هو مواصلة القتال ورص الصفوف بين كافة الفصائل وإشعال الجبهات”.

لم يبقَ هناك حل واقعي لتحقيق متطلبات الشعب السوري سوى إيقاف المشروع الإيراني والاستمرار في مسيرة الكفاح، وذلك بإشعال الجبهات لدحر قوات النظام وتدمير خططها الهادفة إلى تهجير السوريين خارج مدنهم واستبدالهم بعوائل الميليشيات المساندة له بهدف تغيير مسار الثورة واستثمار التهجير لتحقيق المشروع الإيراني في السيطرة على معظم المدن العربية وتهجير سكانها.

فالميلشيات الإيرانية والاحتلال الروسي يهدفون إلى القضاء على ثورة الشعب السوري على أرض أخطر مدينة في العالم، ولكن السوريين مؤمنون بالنصر خاصةً أنهم مروا في ظروف كان فيها النظام أقوى وهم كانوا أضعف، والسبيل الأخير لهدم المخططات والمؤامرات سواء الاحتلالية منها والتقسيمية هو إشعال الجبهات والكفاح المسلح وخوض المعارك، فتحرير متر من هذه الأرض سيقربنا من النصر أمتاراً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين