إخواننا النازحون من سوريا واجبات وحقوق

د. عامر أبو سلامة  

 الابتلاء سنَّة من سنن الله تعالى, وحقيقة لامناص من وقوعها, وطلب العافية ضرورة شرعيَّة, وحال وقوع المحنة لابدَّ من مقابلتها بالصبر والاحتساب, فإنَّ الله لا يضيع من أحسن أجراً. قال تعالى: ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) [ البقرة :155]
 
والله تبارك وتعالى, ابتلاكم أيها الإخوة بهذا النظام المجرم, الذي لايراعي حرمة ولاذمة, ومن ضمن هذا الابتلاء أن يشرد المرء من بلده, وهي لاشك ولا ريب  من المصائب الكبار التي يبتلى بها المرء, وحسبنا الله ونعم الوكيل. يكون المرء جالساً في داره, آمناً مطمئنا يعيش حياته بصورة عادية,فإذا به يفاجأ من سلطته, والنظام الذي تسلط عليه, يقتله ويهينه ويضره, ويلجئه أن يغادر البلد خوفاً من بطشه وجبروته وإجرامه الفظيع. وهذا من الابتلاء, ودليل على كارثية هذا النظام من خلال التنكيل بالشعب, وحرب الناس, والضغط عليهم, بكل أنواع الأذى والسوء, وهذا برهان آخر على سوء هذا النظام.
 
نعلم تمام العلم فداحة مصابكم, ونوقن كل اليقين, أن المحنة التي أنتم فيها يعجز المرء عن توصيفها على حقيقتها, لأنَّ من يأكل العصا ليس كمن يعدُّها, كما في المثل الشعبي الدارج. فلا نريد أن نزايد عليكم, ولا أن نتحول إلى معلمين لكم, ولكن واجب النصرة, والوقوف إلى جانبكم ولو بكلمة مواساة, واجب شرعي, ولازم وطني,وضرورة واقعية.
 
أيها السوريون الكرام, يامن نزحتم عن بلدكم الحبيب, نحب أن ننصحكم بما يأتي:
 
1- هذه المحنة العظيمة, لابد أن تقابل بالصبر والاحتساب عند الله تبارك وتعالى, وإنكم في جهاد ولن يتركم الله أعمالكم, قال تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا) [ آل عمران: 200]. والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم- قال: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير, وليس ذلك إلاّ للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم من حديث صهيب -رضي الله عنه-.
 
2-الثبات وعدم التراجع أو الندم, لأنكم على الحق, ولن يخذلكم الله, بل النصر قريب, والفرج قادم, والله مع  المؤمن, والمستقبل لمطالب الشعب, والخذلان لهذا النظام وأزلامه,بإذن الله تعالى.وبفضل الله تعالى رأينا من صور البطولة والثبات, و بالذات من أخواتنا الأمهات, ما يرفع الرأس, والحمد لله.
 
3-  أنصح كل النازحين, بالتآلف فيما بينهم, والتحابب, والتآثر, والتعاون, والتكاتف, وأن يكونوا كالجسد الواحد, والحذر كل الحذر, من الخلاف والخصام, أو التنافر والتدابر, لأنكم إن كنتم من الصنف الأول, حلَّت البركة وكَثُر الخير, ونزلت رحمات الله, وإن كنتم من الصنف الثاني- لاسمح الله - فإنها مصيبة احذروا من الوقوع فيها.
 
4- أكثروا من ذكر الله ومن الصلاة, فإنها نعم الزاد في هذه المحنة. قال تعالى: (استعينوا بالصبر والصلاة) [ البقرة: 153].
 
5- لانسوا اللجوء إلى الله بالدعاء, فإن الدعاء هو العبادة, والأمور أولاً وآخراً بيد الله تبارك وتعالى, ورب دعوة يتقبلها الله, تقصم ظهر هذا النظام, وهؤلاء الذين معه. قال تعالى: ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم) [ غافر: 60]. وقال تعالى ( أمّن يجيب المضطر إذا دعاه وكشف السوء) [النمل: 62]
 
وهؤلاء النازحون إخواننا، ويجب علينا أن نعيش واقعهم, وأن نتعرف همومهم, ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم, ومن هذه الأمور التي ينبغي علينا أن نفعلها تجاه هؤلاء الإخوة مايأتي:
 
1- التعاطف معهم, والشعور بشعورهم, والمسلم أخو الملسم, والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو, تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى, ولا خير فينا إن لم نشعر بشعورهم ونعيش واقعهم, فإن في ايماننا ضعفاً, وفي مشاعرنا الإسلامية دخناً, ونحتاج إلى مراجعة, إخواننا اليوم يشردون عن بلادهم, وأُخرجوا منها بغير حق, وأُوذوا في سبيل الله, تركوا أموالهم, هدمت بيوت بعضهم, قُتل من قُتل من أبنائهم, إخواننا وقع عليهم جور النظام وبطشه, فلا يجوز أن نُسلمهم بحال من الأحوال, ولابدَّ من نصرتهم, والتعاطف مع قضيتهم, فقضيتهم كبيرة لو أنعمنا النظر في حقيقتها, وعرفنا نواتجها ومآلاتها, لأدركنا لماذا هذا النداء.
 
2- الدعاء سهم الغيب الذي لايخيب, لأنك تدعو الله الذي بيده خزائن السموات والأرض, وهو الحي القيوم الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون, والله مع عبده المؤمن, عندما يلجأ إليه, ولا يخيبه, ولا يردُّ يديه صفراً, ودعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجاب, وإخواننا النازحون يحتاجون إلى دعائنا, فلا بد أن نرفع أيدينا داعين الله لهم, أن ينصرهم ويؤيدهم, وأن يرفع الظلم عنهم, وأن يكشف كربتهم, وأن يعيدهم إلى بلدانهم سالمين غانمين, وأن يدمر هذا النظام, وأن يهلك رؤوسهم, وأن يرينا الله فيهم عجائب قدرته, فلا تنسوا إخوانكم من الدعاء, وأنتم سجود, وإثر الصلوات, وتحري أوقات الإجابة.
 
3- من استطاع أن يزورهم فعليه أن يزورهم, فإن من زار له أخاً في الله له أجر عظيم عند الله تعالى, وهذه الزيارة لها أثرها الكبير في نفوس هؤلاء الإخوة, الذين هم بحاجة ماسة, إلى لمسات الحنان, ويحتاجون إلى من يضمِّد جراحهم, وبخِّفف عنهم ماهم فيه, ولقاء الأحبة خير من عقاقير الأطباء, ولاتنس أن تأخذ بيدك هدية, فالهدية باب من أبواب المحبة.
 
4- مساعدتهم وتقديم العون لهم, ومد يد التعاون معهم, والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه, ولا يؤمن من بات شبعان وأخوه جائع وهو يعلم, ومن صور هذا التعاون مايأتي:
 
-       الحالة الفردية بأن يتفقد إخوانه, ويسعى بنفسه لتقديم العون بما استطاع، وجزاه الله خيراً.
-       عن طريق تشكيل لجنة أو جمعية تعمل بصورة منظمة, من حيث جمع التبرعات وتوزيعها, ويدُ الله مع الجماعة, وللعمل الجماعي بركات لا يعرفها إلاّ من ذاقها, وعاش في كنفها.
-        حثّ المؤسَّسات الخيرية أن تأخذ دورها في هذا الشأن.
-       حثُّ دول الجوار على إيوائهم, وفتح الحدود لهم, لأنهم مُضْطرون, ولا بد من تفهمُّ قضيتهم, والتعامل معها بصفة إنسانية, وهذا واجب على دول الجوار, وبهذه المناسبة لابد من تقديم الشكر والتقدير للدول التي فتحت المجال, لايواء هؤلاء النازحين, ونطلب منهم مزيداً من العناية بهؤلاء الإخوة النازحين.
-       من حقِّهم علينا أن نعِّرف بقضيتهم في كل أنحاء الدنيا, وشرح هذه القضية للناس أجمعين, حتى تعرف حقيقة النظام, وحتى يرفع الظلم الواقع على شعبنا الطيب.
وختاماً: أسأل الله تعالى لنا ولكم الثبات والصبر, كما نسأله أن يزيل هذا النظام اليوم قبل غد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين