أي والله ظاهرين على الحق يا أهل غزة

 


ها أنذا جالس مع أهلي في غزة منذ الثانية عشرة ظهراً وحتى الثانية عشرة ليلاً وبطولتنا نحن العجزة غدت اليوم أن نتفرج.
لن أتحدث عن المشاعر والدموع والأشلاء، لكني كنت أمضي موغلاً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنا أرى صورة من صور عظمة البلاغة النبوية التي تحدثنا عما يجري في غزة في هذه الساعات.
ودعوني أنقل النص نظرياً لنشهد تطبيقه العملي في غزة الرباط.
يقول عليه الصلاة والسلام:
(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. لا يضرهم من خذلهم ومن خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) صحيح مسلم.

أولاً: فهم طائفة متميزة عن الأمة كلها بالمواصفات التي يحملونها والعالم كله اليوم ينظر إلى هذه الطائفة التي تصمم على المواجهة. ويعجب لهذه النفسية التي تحملها. هذا ما يقوله القائد هنية عن هذه الطائفة:
لو ذبحتم شعب غزة كله ولن تستطيعوا، فستبقى غزة في قلوب الملايين من هذه الأمة لتولد من جديد، ولا أحد يستطيع الإجهاز على إرادة شعبنا.
هذه الطائفة ليست محل أنظار العالم اليوم فقط، بل محل أنظاره منذ شهور حيث أراد اليهود أن يبيدوها بالحصار، وقطع الطعام والغذاء والدواء عنها. والعالم صامت يتفرج، وأهل غزة صابرون على كل شيء. إنها طائفة تتحدد معالمها على أرض الواقع، وترسم صورتها أمام  أهل الأرض.

ثانياً: (من أمتي).. فهذه الطائفة تعلن أنها تحمل راية محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ترضى عنها بديلاً. حتى ليعلن العالم حولها.. أنه لن يسمح بإقامة إمارة إسلامية في غزة وقامت الإمارة باسم الله عز وجل. لتمتد حتى تشمل أرض فلسطين كلها.
ثالثاً : (ظاهرين على الحق) فحماس لا تخفي هويتها بل تعلنها. ولذلك تم التواطؤ عليها لإبادتها بذريعة الإرهاب. فهي خارجة حسب زعم العالم على قوانين البشر؛ لا لشيء لأنها تعلن إسلاميتها من جهة. وتعلن إصرارها على مقاومة العدو الصهيوني الغاصب المغتصب.. حتى لقد تميزت بظهورها على الحق في رفضها الانصياع للإرادة الأمريكية المهيمنة على الأرض ظاهرين على الحق.
إنه تصوير نبوي لها، فهي لا تكتفي بالظهور الكلامي فقط. بل بالظهور الجهادي..
وإحدى روايات الحديث تقول عنها:
(ولا تزال عصابة من أمتي قوامة على أمر الله. لا يضرها من خالفها. تقاتل أعداء الله كلما ذهب حرب نشأ حرب قوم آخرين).

رابعاً : ونعجب ثانية وثالثة من عظمة التعبير النبوي:
ظاهرين على الحق
فأين الظهور. وهم اليوم تغزى أرضهم من البر والجو والبحر. ويسقط منهم مائتان وخمس وعشرون شهيداً في اليوم الأول للاجتياح. ويسقط منهم سبعمائة جريح. حتى يبلغوا في الأيام العشرين من الحرب ما ينوف عن ألف شهيد وخمسة آلاف جريح..
فأين الظهور؟
وهل هناك أعظم من هذا الظهور حين قال الناطق باسمها مباشرة وبعد الغارات والذي ظهر في مؤتمر صحفي:
- لن نتنازل عن ثابت واحد من ثوابت أمتنا.
- سنذيق "إسرائيل" من الكأس الذي أذاقته لشعبنا.
- يملك عدونا صواريخ وطائرات. ويتفوق علينا بالسلاح. لكننا نملك الإرادة التي لن تكسر، والعقيدة التي لن تقهر.

خامساً : وإن عظمة هذا الظهور تبدو في رفض التهدئة. وهم يموتون جوعاً وعرياً ومرضاً ويحاصرون ليقهروا ويستجدوا التهدئة من العدو. ومع هذا يرفضونها لأن عدوهم غادر مجرم نكث وغدر وفجر، وأراد ذبح هذا الشعب بالحصار تحت ستار التهدئة.
وتبدو عظمة هذا الظهور. عند أطفال هذا الجيل. وأطفال هذه الطائفة في لقاء مع تلاميذ في المرحلة الابتدائية في إحدى مدارس رفح.
حيث وجه لهم السؤال التالي: هل تريدون التهدئة أم المقاومة لفك الحصار عنكم.
وكان جواب أكثرية التلاميذ الذين يجوعون ويعيشون في الظلام. ويقرون من البرد. يرفض قبول التهدئة.

سادساً : لا يضرهم من خالفهم
وما هو مفهوم الضرر هنا؟. هل هو الضرر المادي من القتل والإبادة والاعتقال والذبح والتشريد؟ أبداً فهذا كله سماه الله تعالى في كتابه: (لن يضروكم إلا أذى).
أما الضرر الوارد في النص فهو التخلي عن المبادئ، والتراجع عن الدين، ونزع الهوية، والتنازل عن الثوابت. ومن أجل ذلل جاءت الآية الثانية: ((وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً. إن الله بما يعملون محيط)).
فعمرك يا حماس ربع قرن ونيف، ما غيرت نهجاً ولا تنازلت عن مبدأ. وانطلقت لله وفي سبيل الله. لقد أراد الذين خالفوك أن يبيدوك. وبكل أفانين وأساليب الإبادة والخنق رموك. وأقاموا الانتخابات ليعلنوا دفنك. وإذا بالشعب يختارك. ويعطيك ثقته. وتكفل العالم من وراء يهود بسند يهود. وعلى رأس هذا العالم أكبر مجرميه بوش، وخططوا لك ثانية لقتلك وإنهائك. وما تزالين ظاهرة بإذن الله، ولن يضروك إلا أذى.

سابعاً : (ومن خذلهم).
وما أعظم هذا التصوير الذي لم ينس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشير إليه )ومن خذلهم) فالصديق القريب يخذل، وخذلك أبناء جلدتك. وخذلك من شاركوا في قطع القوت عنك وذلك من رأى مأساتك في الحصار والموت وبقي ينظر إليك دون نصر.
ونعود إلى رواية الحديث السابقة التي تضع يدنا على هؤلاء فكأنهم أمامنا رأي العين نمسكهم باليد ونقول: هؤلاء هم.
(تقاتل أعداء الله كلما ذهب حرب نشأ حرب قوم آخرين).
(نشأ حرب قوم آخرين. يزيغ الله قلوب قوم ليرزقهم منه).
وكم تزيغ قلوب فتحاربهم حسداً وغيظاً وحقداً. فما يزيد هذه الطائفة إلا جلاء ومضاء. وإنما يرزقون بزيغ قلوب الآخرين فيرزقون مجداً، ويرزقون قوة، ويرزقون ثباتاً.

ثامناً : حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك
ومتى يأتي أمر الله؟
ويأتي الجواب في الرواية الأخرى للحديث: حتى يقاتل آخرهم الدجال، وستبقى حماس لتسلم الراية لمن بعدها. لتبقى الطائفة المنصورة، القوامة على الحق.

تاسعاً : هذا من حيث امتداد الزمان، أما من حيث امتداد المكان. فيخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله. حيث هم اليوم: (وجلهم ببيت المقدس) وفي رواية: (هم في أكناف بيت المقدس) لكن الرواية الأخرى تجعلهم أفسح وأوسع مدى (وهم في الشام) وهذا يعني أن المعركة ممتدة لتكون الشام كلها ساحة المواجهة.
عاشراً : فهل تعرفون يا أهلنا في غزة. ويا قادتنا من حماس هناك. أنكم اليوم مصداق حديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. تسجلون تاريخاً. وتصوغون أمة. ونحن بكم مقتدون وعلى الطريق سائرون.
وقد سماكم الله (منصورون).
(
ولا تزال طائفة من أمتي منصورون لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة) والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين