أي طبخة مسمومة تحضر لها موسكو في سورية؟

 

 

لم تكن روسيا غائبة عن سورية منذ انطلقت ثورة آذار عام 2011. ولا يعني هذا أنها كانت بعيدة عن سورية قبل ذلك، فهي موجودة منذ حاول الرئيس شكري القوتلي أن يكسر احتكار الولايات المتحدة لسوق السلاح في دول العالم الثالث فبدأ باستيراد السلاح من تشيكوسلوفاكيا عام 1957. وعندما أعلنت الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 انتقل التعاون إلى الاتحاد السوفياتي. ويوم استولى حزب البعث على السلطة في انقلاب آذار عام 1963 انتقل التعاون وترسخ. لكن الناحية التاريخية ليست موضوعنا اليوم.

 

أراد السوريون الثورة أن تكون سلمية. وأرادها بشار أسد وأعوانه أن تكون دموية يسيل فيها الدم السوري منذ أول يوم في درعا.تكفلت طهران بالمال والرجال لدعم مجهود بشار الحربي، وتكفلت موسكو بمده بالسلاح الذي كان مركونا في مستودعاتها يكاد يأكله الصدأ. عندما نزفت إيران ماليا أراد "فلاديمير بوتين" أن يستثمر ما أنفقته طهران وما سال في سورية من دماء وما هجر من سوريين، مستغلا تردد "باراك أوباما"، وربما كان تردده مقصودا ليستنزف ما يملكه السوريين من عزيمة فيهون على إسرائيل قتالهم في دولتهم الجديدة.

 

عندما استدعى بوتين بشار إلى روسيا أراد أن يلقنه درسا في أصول التعاون مع الأقوياء. قبل ثورة السوريين كان بشار يقرأ ما تريده واشنطن منه فيلبي طلباتها من تحت الطاولة، ولا يلجأ إلى موسكو إلا حينما يريد شراء السلاح، فقد اطمأن أن تل أبيب لا تريد رأسه، حتى لو أرادت فرك أذنه فإن واشنطن تدخل وسيطا بينهما.

 

كانت موسكو تراقب فصائل المجاهدين عن كثب. فعندما قررت التدخل في سورية، أرادت أن تقصف قوات الفصائل الفعالة تاركة قوات تنظيم الدولة "داعش" لواشنطن. وهي تظن"أن كل الطيور يؤكل لحومها". بحسب الغرور الذي يركب بوتين، ظن أنه يمكنه أن يكسر قوتها فلا تستطيع أن تعترض على تسوية تهيئ لها موسكو وتقبل واشنطن بها ويصفق لها السيسي ومن على شاكلته من الحكام العرب. لكن ما هي الطبخة التي تريدها موسكو في سورية؟ 

 

لم يكن يهم موسكو بقاء بشار أسد وإن كانت تظهر أنها تتمسك به، بقدر ما يهمها من يخلفه من رجال الأمن الذين تربوا في مواخير موسكو أثناء زيارتهم لها. لذلك تمسكت باللقاء الرباعي الذي جمع وزراء الخارجية الأربعة في فينا يوم الجمعة 23 تشرين أول الجاري.

 

خطة "المرمطون" سيرجي لافروف الذي يشرف على الطبخة، تتمثل بإجراء انتخابات نيابية في المناطق التي لا يزال النظام يسيطر عليها، ويترك لواشنطن أن تختار من وراء ستار نوابا من الائتلاف الذي عينته بنفسها أومن رجالاتها الذين تربوا على دولاراتها، ويتم تقسيم "بيدر" الحكومة الائتلافية التي ستتولى تسيير أمور حطام الشعب السوري الذين يعيشون بالمخيمات بين نواب النظام وبين النواب الذين اختارتهم واشنطن على عينها، وكأن هذه الحكومة شطرنج في يد موسكو وواشنطن.

 

إذا سألت لافروف: ما هو مصير المقاتلين في الجيش الحر سيكون جوابه: هؤلاء يعودون إلى الجيش السوري الذي تتكون قيادته من ضباط تختارهم الحكومة الانتقالية، وتكون مهمة هؤلاء محاربة الذين يرفضون التخلي عن قيادات الإرهابيين مثل أحرار الشام وجبهة النصرة وجيش الإسلام وغيرها ممن قاتلوا جنود النظام.

 

هناك من يعتقد أن طهران تركت موسكو تقيس "ذيلها" مع هؤلاء الإرهابيين الذين أرسلوا إلى حسينيات إيران بالتوابيت مملوءة قتلى بالإيرانيين. فإن نجح بوتين فيما فشل فيه قاسم سليماني فستستثمر طهران النجاح بضباط محاربين، وإلا يكون مصيره مثل مصير جورباتشوف في أدغال أفغانستان عندما خلف الجيش السوفياتي قتلاه تأكلهم وحوش البرية.

 

الفصائل القتالية السورية كانت ترى ما يفعله بوتين فلم يظهر أن ذلك غير في خططها شيئا. غاية ما في الأمر أنها اتخذت خططا بديلة لتقلل خسائر القصف الروسي وناورت في أرض تعرفها، وكانت ضحايا الروس معظمها من المدنيين الذين لم يستطيعوا النزوح.

 

على أن هناك متغير جديد بدت بواكيره في إصرار الدول الثلاث (تركيا والسعودية وقطر) على دعم مقاتلين سوريين لا تلقي بالا إلى مقولات موسكو باتهام هؤلاء بالإرهاب  فتقصفهم وتترك تنظيم الدولة داعش لحسابهم فيما بعد. وقد فهمت الدول الثلاث -لا كما يفهم السيسي- أن عليها أن تدافع عن نفسها بمد هؤلاء المقاتلين بالسلاح والعتاد. وإن كل رصاصة تقتل روسيا أو إيرانيا أو جنديا من حزب اللات وتدفع مجوسيا عن بلاد الشام، هي عند الله في الميزان.

 

يبقى أن ندعو للمجاهدين بدعاء عبد المطلب جد محمد صلى الله عليه وسلم:

 

لاهمّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك       لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبدا محالك.  

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين