أيها الشباب... رحل الشيخ عبد الغفار - رحيل الشيخ عبد الغفار الدروبي
أيها الشباب ... رحل الشيخ عبد الغفار
يا شباب حمص ، يا شباب سوريا ، يا شباب الإسلام ، يا شباب الأمة.

رحل الشيخ عبد الغفار الدروبي إلى الدار الآخرة بعد أن عاش أكثر من 90 سنة ، رحل و انتقل إلى الرفيق الأعلى ليلقى ما قدم في هذا العمر المديد عند الله عز و جل الذي يكرم عباده ، فالله يفرح بلقاء من أحب لقاءه.
نعم رحل و انتقل بعد أن أفنى عمره كلـه فـي تربيتـكم ، في تنشأتـكـم ، في حضـنكم ، في حفظكم و رعايتكم ، فقد كان همه الشاغل أنتم ، لآنه رأى بعينيه و قلبه و عقله أنكم أنتم أيها الشباب من يستطيع حمل هذا الدين و هذا الخير و هذا النور و هذه
الرسالة للأمة ،  فكان يظهرعلى محياه أنكم أنتم الأمل المشرق لهذه الأمة.
لقد أعطى هذا الشيخ الجليل كل  عمـره و وقته لكم ، كـم أمضى معكم مـن الأوقـات و الليالـي و هو يعلمكم القرآن و علومـه ، و الفقه و أصوله ، و الحديث و شروحه ، و السيرة و دروسها ، و اللغة و آدابــها ، و الصـبر و معــانيه ، و الثبــات و قيمه ، و الأخلاق و روحها ، و الزهد و آثاره ، والعطاء و ثوابه ...
كم صبر عليكم أيها الشباب ، و كم أغدق عليكم من حنانه و عطفه ، فكان لكم أبا رحيما ، و صديقا حميما ، وجليسا مؤنسا ، نالكم من نظراته الناطقة الحية ، و صمته الوقور ما تعجز عنه أفصح الكلمات و أبلغ الجمل.
فما أنتم فاعلون بعد رحيله أيها الشباب؟ هل سترثون ما تركه لكم من الإرث؟
لقد كان شيخكم العظيم كما وصفه من عرفه في شبابه ، شيخا حكيما في رجاحة عقله و صفاء روحه ، و من رآه و عايشه في كبره و شيخوخته ،  شيخا كبيرا في همة الشباب.
فهل ستجددون العهد مع الله ، و يبعـث موته فيكـم ما تسـمو بـه نفوسكـم و أروحاكـم و أخلاقكم و سلوككم إلى المعالي ، و إلى الكمال ، و إلى الرقي  كما كان شيخكم.
كانت همته لا تعرف إلا المعالي ، همة لا تعرف إلا السمو و الرقي ، تجسدت في شخصيته أجمل منازل الشوق و الحرية ، و الثبات و التضحية ، و الأنس و العطاء.
كان يتلو كل يوم من القرآن الكريم ما لا يقل عن خمسة أجزاء ، يتلوها بالقراءات المتنوعة ، بصوته العذب ، ذلك الصوت المميز الذي كان فيه صحل ، هو ذاك الصوت الذي كان يشبه صوت سيد البشر عليه أفضل الصلاة و التسليم كما وصفته أم معبد الخزاعية لزوجها عندما قالت في وصفه: "... وفي صوتة صحل..." (وهي البحة الخفيفة التي تضفي إلى الصوت رونقا من الجمال).
كان يستيقظ قبل الفجر بساعة على الأقل يقوم بين يدي الله بصلاته الخاشعة التي كانت تسلي اليقظان و لا توقظ النائم.
كانت قرة عينه الصلاة ، قلبه معلق في المسجد يدخله في الأوقات الخمسة قبل الأذان فتتمتع أذنيه و تصفو نفسه و يرتاح قلبه بسماع الله أكبر الله أكبر.
أي همة هذه ، أي رجل هذا ، أي شيخ ذاك الرجل ، همة تعجز عنها أكابر الرجال.
فأين قلوبكم أيها الشباب ، أين تعلقت ، أين أرواحكم و نفوسكم ، بماذا شغفت !!!
صدقوني حرام عليكم أن تفنوا شبابكم و تضيعوه بالسفاسف ، حرام عليكم أن يذهب الشباب سدى ، حرام عليكم أن تضيعوا الأوقات ، حرام عليكم أن تسقطوا الاهتمامات ، فقد رزقكم الله وجوها ناضرة ، أجساما قوية ، عقولا نيرة ، فرصا واسعة ، فلا تضيعوها.
لتهـتز مشـاعركـم و قلوبـكم و عقولكم لمـوت الشيخ عـبد الغفـار ، أعلـنوها من الآن و قولوا كفى كفى كفى.
كفى للمقاهي التي لا تعلم بأجوائها إلا  الضياع و الإهمال ، كفى لمضيعة الوقت وراء الشاشات الناطقة و الصامتة ، كفـى لرفـاق السـوء الذين لا يأتونـكم إلا بـرائحـة الكـير ، كـفى للكـسل و الخـمول ، كـفى للـهزل و عـدم المبـالاة ، فـهذه مساجـدكــم  و محاربكم تناديكم خمس مرات في كل يوم حي على الفلاح ، هذه مكتبتكم العامرة التي تعج بكتبها و تراثها و فكرها و علومها و معارفها تنتظر عيونكم و قلوبكم لتنهلوا من معينها ، و هؤلاء هم علماء الأمة و أسيادها و مفكروها ينتظرون من يطرق عليهم الباب لينهل من علمهم و معرفتهم.
غيروا حياتكم ، شدوا أزركم ، اشحنوا همتكم ، كونوا مثل ذلك الشيخ الذي فقدناه ، همة شباب ، بريق أمل ، أحيوا حياته فيكم.
 
اغتنموا شبابكم قبل هرمكم ، أقبلوا على الله كإقبال ذلك الرجل الولهان الولع ، الصقر المحلق ، الذي لم يعرف ولم يعلمنا إلا الحياة الكريمة العزيزة النبيلة.
توجهوا إلى العلم و غبوه غبا ، فبالـعلم ترقى الأمم ، ذلك العلم الذي يجمع علم الدنيا و الآخرة ، زكوا أنفسكم و ارتقوا بها إلى درجة القيادة و الريادة ، فأنتم القادة التي تحيا في نفوسكم الهمة العالية ، و أنتم الأمل الذي تنتظره الأمة ، و أنتم العلم ، و أنتم الإمكانيات ، و أنتم الفجر ، و أنتم القرآن.
رحمك الله يا شيخنا ، يا شيخ الشباب ، و يا صديق الشباب ، و يا أب الشباب ، رحمـك الله رحـمة و اسعـة ، و أسكنـك فـي أعـالي الجـنـان مـع النبيـن و الصـديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولائك رفيقا.
,,, و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ,,,             

جدة / الخميس 25 / محرم / 1430 هـ   الموافق 22 / يناير / 2009
 كتبه خادمه و محبه
حسام السباعي
Email:
[email protected]

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين