أو حسبت أن نيل العلا بالتمني..؟

في ديدنك الكثير من طرح السؤال ..في تألقك المضيء كثير من الفضول ..في تألقك كالنجم في السماء إنارة عن اسمك ، من تكون و كيف وصلت إلى قمة الهرم..و الأخص الأخص إلى أي سلالة تنتمي..

إن كنت توجه هذه الأسئلة لي فان لي شجونا سيغلب ملكتي في أن أكبته  ، لكني سأتناول بنودا منه لان رجلي كانت في الثرى و عيني كانت تتطلع إلى السماء..كنت أسارع الخطى في سباق للنهر و من ورائي أعداء تنادي علي أن قفي مكانك فنحن أولى بالركض من غير سرعة..فرحت أستلهم  وافرا من السلام و قسطا من تاريخ أسلافي  لأصارع كل هم ، فالمشقة بالنسبة لي كانت بلسما حتى لا أهتم بمن ينادي علي، هاجرت و تركت راحة تنسيني الهم و الوهن، رحلت  إلى حيث الجد أين كان الأمر مني وعدا و الوقت ليلا ليس براحم لنعاسي ، فانطلقت من سرداب الأمنيات و رتلت أحلى الآيات ، حرصت على ما ينفعني و تركت ما يبغضني ، أقلقني المر و نال من ذوقي الرفيع السخر ، فمشيت أميالا و أميالا سنوات طوال و برزت بالقلم متمردة على كل من صارع في قول الحق لأجاري هدير  الماء و  ارتقب الدر في بواطن البحر حتى انعم بجميل الصدف ، كنت أستمد الرؤية ممن حولي ، لأن الحياة كانت لي وقتها دمعة و شمعة تحترق و صلاة في ليل تستبق بكاي  حينما أطفأت علي أنوارا و لم أتسلق وقتها أسوارا و لم أجد حضنا  يدفيني و البرد من حولي يسكنني في قبوة الجمود ، فهمت أن حياتي  ستتحول إلى جهاد فلم يكن لي ركن أرقد فيه إلا و استيقظ فجرا  فقد حان موعد الكفاح ، كانت حركتي متوقدة أن لا اغفل عن كنزي من ميراث من أحبني في أن أحافظ بمسك يدي على مفتاح الحرية  و لست أنام نوم العوافي و لا أطرب طروب المتمتعات و لست أسأم من سم وزع لي في مشارب الاغتيال ليرتسم  لي ظل يتبعني  على الطريق ، فكان أن قرأت سيرة   أصحاب العزائم المتوقدة ، ففهمت أن من يريد  أن يدرك مقصده  لابد له أن يبدأ في طلب الرزق من طلوع الشمس إلى غروبها فاستعملت في ذلك سبيلا إلى الحلال بصفاء المشرب و المأكل هذا ما   يجب و حتما و يقينا أن  تسعى إليه   فحذفت من دفتري ربما و عسى و قد ، مسحت الهناء من محياي لأني لست للنوم  متذوقة مهما حاولت .

 

 

حكايتي بدأت مع النضال يوم انكسر جناحي على حين  غفلة فقلت ويحي و من لي لتقواي بمد لي بسواعد تنصب شراع سفينتي مجددا ، لجأت إلى أن  اعدل و اصدق و انوي طيبا فالأمر صعب لم يكن بتاتا سهلا ، خرجت من ظلمة القيد و نفضت غبار الاحتقار  و لم أنس لا صلاتي و لا تسبيحي و لا ارتحالي بكياني و فكري ، فكانت لي في صورة الأسد و الليث خير هندسة لوثبة الرفض للتخلف  ، و لم أسمح لماء نهري أن يكون راكدا ، أردته سيالا رقراقا بقدر سرعتي و تدرعي بالصبر ، سبقت في ذاك من طاردني و ابتعدت  كثيرا من طوق الظلم و الظلام و رحت أحفظ الدعاء خلف الدعاء فلم يدنو الفساد من مجرى حياتي ، و رحت بأجدافي أرسم تكريما لي برسم لم ينفذ بعد و لو أن التعب و الملل نال مني اوقاتا و أياما بل أعواما ، سللت نفسي كما يسل الخيط من سم الخياط و قررت الرجوع من حيث أتيت لأني بكيت أمجادي و أسلافي في أني قد لا أقدر ،فلا داعي لمساءلتي عن وقتي و مشاريعي و صحتي و طموحي ، لكني بدأت بالشكر أولا أن يا رب إني أتوق أن أكون أنا و ليس شخص آخر ، أريد صلابة لجسدي كتماسك الحديد و ركض الضباء في براري الجفاء ، لقد قمت و أدركت الخطى ، فلا بد للهمم أن تحترق و تلمع و تذوب بالكامل إن أرادت المعالي فهي تأتي بحسب عزيمة المراد ، فالأماني العالية تحتاج أن ينال المجد بكفة من قوة ، فهل في سؤال سبق لي فيما أريد  و ما وصلت إليه ؟...

سل عني كل من مررت به و ألقيت السلام عليه و رميت تحت قدميه قلادة الضجر حينما غدر بي محبون كانوا لي مغيبون فاضحون متحادثون عني إن كان لوجودي معنى بعد كل ما عانيت و قاسيت ، سمعت الكثير من أرادوا بحثا  عني ، فسكن السكوت في صمتي و بعذاب الذكرى أني لا أريد لي مسائلا بعد أن كسروا أقفال الأمان في مداخل السعادة أبوح برحيل اللحن منها منذ زمن ، و واسيت نفسي بهذه الأبيات :

اياك أن تزدري الرجال فما       يدريك ماذا يكنه الصدف

نفس الجواد العتيق باقية            و إن مس جسمه العجف

و الحر حر و إن ألم به            الضر و فيه العفاف و الأنف

 

هو ألمي و تحملي كان  فيهما الوزن الثقيل من المهابة ، و صمتي و احتسابي ضما كثيرا من الاستماتة ، سامحت و كررت الحلم مرات و مرات لأختزل دروبا من العراقيل و لست أمانع في أن افتح باب قلبي لكل من يطرقه ، لأن جمال التمني بالشهادة يضفي على صاحبه سترا من الوقار أينما حلل، و يبقى كل من جد وجد و كل من حفظ الله أسدلت عليه ستائر العز و الغنى و الهمة ، هكذا كانت مسيرتي و لست أدير ظهري للوراء إلا لمن طلب مني إصلاحا أو استدراكا .

 

إن الليالي التي شغفت بها       غيبها الهر في تقلبـــــــــا

لله أمري ما ملت قط إلى        شيء بقلبي إلا فجعت به

عرفت حظي من الزمان        فلا ألوم خلقا على تجنبه

و كل سهم أعددته وقفت        به الليالي حتى رميت به

 

نعم ، تكسرت علي النصال و ما باليت ، هان علي كل أمر لأن أمر الموت أجل و أصعب ، لذلك أكملت دربي و في شكوكي صمت رهيب حينما كشفت النقاب عن كل ما لم يكن لي واضحا :

كل خليل خاللته           لا ترك الله لي واضحة

كلهم اروغ من ثعلب      ما أشبه الليلة بالبارحة

و ما أشبه ضعفي وقتها بعجز ناقة أن تستقيم بقامتها بعد ركود على أرض الراحة ، و لكني وثبت من كبوتي إلى ما لم ارسم له نقطة التقاء مع من شككت ظهورهم فيما بعد فكان أن حاسبت نفسي طويلا  :

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها           فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تعذر أن وعظت و يقتدى     بالقول منك و يقبل التعليم

لا تنه عن خلق و تأتي مثله          عار عليك إذا فعلت عظيم

 

نعم ، عاتبت نفسي طويلا ، هي هكذا سنة الأولين ، حتى لا أقعد مع القاعدين في أسفل السافلين ، فلم يكن المنى مني بالتمني ، و لم أر نور القمة إلى من فتحة أمل أتيحت لي من جديد لأهب إلى قمة الإبداع و الجمال بعد أخطاء و عراقيل و مرارة و غربة و وحدة كانت لي في مجملها دروسا لا حاجة لشارح في مغزى المحنة و قد قرب فجر الانتصار بزوغا فلك الإجابة من بن الرقاع  :

و لقد أصبت من المعيشة لذة         و لقيت من شظف الخطوب شدادها

و علمت حتى لست اسأل عالما      على حرف واحدة لكي أزدادها..

 

و إلى أن يحين تفصيل و شجون آخر ، أتمنى أني أجبت إجابة مقنعة في أن نيل العلا يحتاج للتضحية بأعز ما تملك و ما تحب و فيمن تحب، نعم لتصل العلا اسهر  طويلا و امش بعيدا و هاجر وحيدا ، لكنك ستطفو إلى فوق حيث يرفعك المجد نجما ساطعا و لست اعرف إن كنت ستتذوق طعم النجاح أم انك منتبه لما بعده، هنيئا لك المنزلة العالية، و إني  أرفق قلمي بنقطة النهاية فاني أمسح دمع الذكرى و أغلق ملف الحيرة لمن تنكر لي و كأني له عدوا أو مناقضا ، فعني سل دروبا سرت عليها بخطى المرض و الضعف و أرفقت وصول النهاية باستراحة في سقاية لضمئي  و كلي إصرار على الخروج بأقل الخسائر...لا تخش الطريق الطويل و لكن اخش عثرة قد تطيل فيك الوقوع و إني أنصحك أن تقفز قفزة الرفض و لو لم تقدر حتى لا يتفطر جسدك من طول السقوط ، ستتعلم الكثير من عقبات  الطريق ، ارفع أحمال الصخور من أمامك فتحتها ترقد منحة هي لك ، فلا تنس أن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب ، لذلك كن  كالأسد في قوته و هيبته و رافق جريان الماء في غير موضعه ، فهناك تحقق النتائج و تظفر بالنصر الكبير..و تنير  كالثريا في ارتفاع الأثير ..و لك  أن تكون أو لا تكون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين