أولئك السَّبعة

ستغبِطُهم لِما ظَفِروا به من فضلٍ ومزيَّة، ستتمنَّى لو فزْتَ بعُشرِ مِعشارِ العُشرِ مما فازوا به، سيكون ندمُكَ على فَوتِ ما نالوه سِياطًا لاهِبةً تُمزِّقُ قلبَك، وأنتَ في هَلَعٍ هالع، وزِحامٍ خانِق، وحرٍّ حارِق، قد دنَتْ من الرؤوسِ الشمس، والناسُ في ضِيقٍ وبُؤس، لا يجدون مُتَّسَعًا إلا بمقدارِ مواطئِ الأقدام، والعَرَقُ قد غَمَرَ بعضَهم حتى اللِّجام، ولكلٍّ غَمْرُهُ بمقدارِ ذنبِهِ وسُوءِ عملِهِ في ذاكَ المَقام، وجهنَّمُ بين أيديهم قد أُحضِرَتْ، ونارُها الموقَدَةُ سُعِّرَت.

أولئك السَّبعةُ في أمنٍ وأمان، وأنتَ خائف، وفي ظلٍّ ظليلٍ بارد، وأنتَ منكَشِفٌ للشمسٍ بارِز.

قد كان بالوُسعِ أن تكونَ منهم ومعهم، لكن هيهاتَ هيهات!

استسلمْتَ لنوازعِ الشَّرِ؛ وقاوموها، واسترسلْتَ مع الشهواتِ؛ وغالبوها، وضيَّعْتَ الأعمارَ؛ وبالحزمِ حفِظُوها، كانوا من الآخرة على ذُكْر، وكنتَ خالدًا إلى الأرض، مطمئنًّا بفومِها وعدسِها وبصلِها.

ستكوي الحسراتُ قلوبَ أصحابِها في يومِ الحسرة، سيقولُ النَّادم: لو أنِّي! لو أنِّي! ولن تنفعَه اللو، ولن يُسعفَه اللَّوم؛ إلا بمزيدٍ من الهَمِّ والغَم.

سيقولُ البائسُ اليائسُ:

- لو أنِّي عدلْتُ فيما وَلِيتُ؛ لكنتُ منهم، لكنَّ السُّلطةَ أعمَتْك، والمناصبَ غرَّتْك، فكنتَ ظلومًا غشومًا.

- لو أنِّي حفظْتُ الشباب، وقاومْتُ الصَّبوة، واعتصمْتُ بالله، ونهضْتُ من الكَبوة، وجاهدْتُ في ذاتِ ربِّي عزَّ وجل، واستمتعْتُ بطاعتِه حتى الأجل؛ لكنتُ معهم، لكنَّك أُخِذْتَ بالمُلهِيات، وأَجبْتَ داعيَ الشَّهوات، فخَزِيتَ وأُقصِيت.

- لو أنِّي نقَّيتُ قلبي من أدناسِ الحقدِ والحسد، وصفَّيتُه من أرجاسِ المصالحِ والمنافع، وأحببتُ لله، والتقيتُ بإخواني لا أرجو إلا الله؛ للحِقْتُ بهم، لكن أعمَتْ بصيرتَكَ غِشاوةُ النَّفعيَّة، وجعلْتَ الحبلَ الممدودَ لإخوانِكَ المكاسبَ الأرضيَّة، إن كسَبْتَ وصلْت، وإلَّا قطعْت، فعن ركبِ السَّبعةِ اقتُطِعْت.

- لو أنَّ قلبي توضَّأَ من أحداثِ الدنيا وأنجاسِها، وأَنِسَ ببيوتِ ربِّه، وتعلَّقَ بمحاريبِها، ذاكرًا وتاليًا، راكعًا وساجدًا؛ لصحبْتُهم في نعيمهم، لكنَّ الدنيا استوطنَتْ سويداءَ قلبِك، فما أنِسْتَ إلا بمراتعِها، ولا انشغلْتَ إلا بحُطامِها، وما تعلَّقْتَ إلا بأسواقِها ونواديها.

- لو أنِّي امتلكْتُ شجاعةَ القلبِ في معركةِ البذلِ والعطاء، فبتَرْتُ شُحَّ نفسي بسيفِ الكرمِ والسَّخاء؛ لرافقتُهم في مقامِهم، لكنَّكَ ضَنَنْتَ وبَخِلْت، وكَنَزْتَ وكَزَزْت، وظننْتَ أنكَ مالِك، وما أنتَ إلا خازن، والمالُ وديعةٌ بيدِك.

- لو أنِّي قلْتُ قولَ يوسفَ عليه السلام: معاذَ الله؛ لنِلْتُ ذاكَ الفضل، ولكن أنَّى لمن آثرَ اللَّذةَ العابرةَ الآثمةَ أن يحظى بالظِّلال.

- لو أنِّي عمَرْتُ خَلَواتي بالذِّكر، وذرفْتُ دمعَ الخشيةِ والمحبةِ في السِّر؛ لنِلْتُ هذه الكرامة، ولنجَوتُ من المَلامة، وسلِمْتُ من النَّدامة، ويا لها من نَدامة! يُسِرُّها صاحبُها ولا يُبدِيها، فتَتَأكَّلُ داخلَه، والذلُّ يغشى ظاهرَه.

(وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسࣲ ظَلَمَتۡ مَا فِی ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ).

الدنيا بكلِّ ما فيها من زُخرُفٍ ومتاعٍ ظلٌ زائل، فاحذرْ أن تغترَّ بهذا الزائل، فتفقدَ ظلَّ عرشِ الرحمن، وتلقى النَّدمَ والخُسران.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين