الموجز في التاريخ: أورخان بن عثمان (726 – 761هـ)، ومراد الأول (761 -791 هـ)

     تولى أورخان الحكم بعد وفاة أبيه عثمان، وسار على نهجه في الحكم والفتوحات، واستطاع فتح بورصة وأزنيق، وقد كان فتحهما نقطة تحول في الإمارة العثمانية الصغيرة، نقلها من مرحلة العشيرة وعاداتها، إلى مرحلة الكيان السياسي المتكامل الأركان([1])، وقام أورخان بتأسيس أول جامعة إسلامية في الدولة العثمانية، إضافة لتأسيسه جيشًا نظاميًا كبيرًا، يكون على استعدادٍ دائم في حالة الحرب والسلم، وجعل له نظامًا خاصَّاً، ثم أضاف إليه جيشًا آخر، عُرف باسم: (الانكشاية)([2]) شكله من المسلمين الجدد، الذين ازداد عددهم بعد توسع رقعة الدولة([3])، واستطاع أن يخطو خطوة كبيرة في فتح القسطنطينية، استفاد منها من جاء بعده من السلاطين، حيث أقدم على عبور مضيق الدردنيل، والاستيلاء على عدد من قلاعه، ومنها: (غاليبولي)، التي أصبحت أول قاعدة عثمانية في أوربا([4]).

     كان مما تهدف إليه الدولة العثمانية الناشئة؛ أن ترث دولة سلاجقة الروم في آسيا الصغرى، وقد استفاد أورخان من الصراع الواقع بين السلاجقة أنفسهم؛ فضم عددًا من مدنهم لدولته، واستمر الصراع بين السلاجقة والعثمانيين؛ إلى أن تمَّ لهم إخضاع آسيا الصغرى كلها لدولتهم، وذلك في أيام السلطان: محمد الفاتح (ت: 886 ه).

     إن المتتبع لسيرة أورخان؛ يجد أنه كان يتمتع بفهم عميق لسنة التدرج في بناء الدول، وإقامة الحضارة، وإحياء الشعوب؛ فبعد أن ضم لدولته عددًا من مدن السلاجقة؛ بقي نحو عشرين سنة دون أن يقوم بأي حرب أخرى، بل كان يعمل على تنظيم جيشه، وتعزيز الأمن في دولته، وبناء المساجد، ورصد الأوقاف عليها، وإقامة المنشآت العامة، وغيرها من الأمور.

مراد الأول (761 -791 ه)

     تولى حكم العثمانيين بعد أورخان؛ السلطان مراد الأول، المعروف بتدينه وشجاعته، وشغفه بالجهاد، وبناء المساجد والمدارس، ويعدُّ من أقوى السلاطين العثمانيين، حيث استطاع هزيمة أعدائه في آسيا وأوربا هزائم متتالية، وتوسعت الدولة العثمانية في زمانه توسعًا كبيرًا، ففي أوربا استولى على مدينة (أدرنة) ثاني مدينة في الدولة البيزنطية بعد القسطنطينية، واتخذ منها عاصمة لدولته([5])، وبقيت عاصمتهم؛ حتى فتح محمد الفاتح القسطنطينية، عام: (857 ه)، وجعلها عاصمة العثمانيين.

     كان لانتصارات السلطان مراد الأول أصداء بعيدة في أوربا؛ فتكون ضده تحالف صليبي أوربي، باركه بابا الفاتيكان، لكن السلطان مراد استطاع هزيمته على (نهر مارتيزا)([6])، وفتح بعده مقدونيا، وتوسع في أوربا؛ حتى جنوب بلغاريا، وشرق صربيا، وترتب على هذه الهزيمة؛ توقيع بعض جيران الدولة العثمانية معاهدة صلح معها، حيث بادرت جمهورية (راجوزه) بذلك، وتعهدت بدفع جزية سنوية، قدرها: (500) دوكا ذهب([7]).

     أمام انتصارات السلطان مراد الكبيرة في أوربا؛ جمع التحالف الصليبي قواه مرة ثانية، وهاجم الجيش العثماني، الذي كان على أهبة الاستعداد؛ فهُزم التحالف الصليبي مرة ثانية، وذلك في موقعة: (قوصوه)([8])، عام: (791 ه)([9])، وبعد هذا الانتصار الكبير للسلطان مراد، أخذ السلطان وجنوده يتجولون بين صفوف القتلى؛ فألقى الجنود القبض على جندي صربي يتظاهر بالموت، فادعى أنه يريد إعلان إسلامه أمام السلطان، ولما جيء به إلى السلطان؛ تظاهر أنه يريد تقبيل يد السلطان، ثم أخرج خنجره، وطعن السلطان؛ فأرداه قتيلًا، وكان لهذه المعركة نتائج بعيدة المدى على الفتوحات العثمانية، حيث انساحت بعدها الجيوش العثمانية في بلاد البلقان، وغيرها.



([1]( ينظر: السيد، سيد محمد، تاريخ الدولة العثمانية النشأة والازدهار، (القاهرة: مكتبة الآداب، ط 1، 1428/2007) ص: (88 – 96).

([2]) كان من التهم التي وجهت للعثمانيين؛ تشكيلهم هذا الجيش من أطفال النصارى، الذين أجبرهم العثمانيون على اعتناق الإسلام، وقد فنَّد هذه التهمة وردها، أبو غنيمة في كتابه: جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين الأتراك، مصدر سابق، ص: 122، وتأسف من ذكر بعض المؤرخين لها أمثال: محمد كرد علي في كتابه: (خطط الشام) وغيره.

([3]( ينظر: مصطفى، أحمد عبد الرحيم، في أصول التاريخ العثماني، (بيروت: دار الشروق، ط 3، 1406/1986) ص: 43.

([4]( ينظر: السيد، تاريخ الدولة العثمانية النشأة والازدهار، مصدر سابق، ص: 92، ينظر: مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، مصدر سابق، ص: 45.

([5]( ينظر: السيد، تاريخ الدولة العثمانية النشأة والازدهار، مصدر سابق، ص: 98،  وينظر: كولن: سلاطين الدولة العثمانية، مصدر سابق، ص: 19.

([6]) نهر مارتيزا أو مارتيسا: ينبع من غرب بلغاريا، ويصب في بحر إيجه.

([7]( ينظر: مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، مصدر سابق، ص: 48، وينظر: السيد، تاريخ الدولة العثمانية النشأة والازدهار، مصدر سابق، ص: 101.

([8]) قوصوه: هي كوسوفا الآن.

([9]( ينظر: السيد، تاريخ الدولة العثمانية النشأة والازدهار، مصدر سابق، ص: 109، وينظر: مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، مصدر سابق، ص: 49

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين