أوراق تركها شهيد لزوجته قبل أن يقتل في مظاهرة احتجاج

 بسم الله الرحمن الرحيم

زوجتي الغالية ، الأثيرة على قلبي ، سبحان من قال :(هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ،وتعالى من خلق بيننا المودة والسكينة والرحمة ،كنت لي- يا أثيرتي- خير لباس يستر عوراتي ،قد حفظتني في حضوري وغيابي ،كم أنا ممتن لك ،وراض عنك ، وشاكر لك كل ماقدمتيه لتملئي عشنا الرائع هناءة وسعادة ،ياغاليتي.
كنا قد اتفقنا بإذن الله ألا يفرقنا إلا الموت ،وها أنا ذا قد وفيت بعهدي ،لعلك تلومينني ، أو لعلك تشعرين بشيء من الضيق مني ،لكنني لم أعتد أن أقول (منحبك ) إلا لمن أحبه صدق ، لأن المحبة عاطفة سامية ، ما يسوغ أن تدنس بطين النفاق والدجل ، أجل ! ما ينبغي أن توضع إلا في موضعها اللائق بسموها! ،وهم يريدون مني أن أقولها لمن لا يستحق إلا الكراهية والمقت ! أن أقولها لمن لا أحبه ،لأنه قاتل ومجرم وظالم ومفترعلى أكثر من عشرين مليون إنسان ،فهل ترضين أن أقولها له كما يقولها أناس : هم بين مغفل ، أوانتهازي ، أو متعصب للباطل ، أو شريك في الظلم والإجرام، أو مكره تنطلق بها حنجرته خوفا من الإيذاء ، وقلبه يلعن من تقال له! ما أظنك ترضين ذلك ، وقد عرفت منك الصدق وقوة الشخصية في الحق،هل ترضين أن أقولها لغيرك ؟
ابتسمي ياغاليتي ،فالرجل الحقيقي هو الذي لا يرضى الضيم لأهله ،، ولا الذل لأمته ، ويكره النفاق أيما كراهية ، غاليتي !أنت وأمي وولدي أهلي ،وكل نساء بلدنا وأمهاتها وآبائها وأطفالها أهلي ،هل أنتظر حتى يمسكم إجرام هؤلاء كما مس غيركم ؟ وهل تفخرين بي زوجا لك ، وقد مس عرضه وعرض عماته وخالاته ، وبنات بلده ،ولم يرفع صوته جهيرا يملأ سمع أهل الأرض ، وأجواز الفضاء ،" ما من ريدك " يا فاجر ، كما يرفع قبضته مهددا الطاغية الباغي ، إن لم يجد الزئيرمع الطاغوت .
أحمد الله على أنك لست من جماعة (ماشي الحال ) وشلة (الأمور ماشية ) ،فقد أكرمك الله بوعي لما حدث ومعرفة بما يحدث ،أعرف- يا غاليتي- أن الفراق صعب ،ولكنه ليس فراقا ، صدقيني ، إذ سرعان ماتطوى الأيام ، ونعود لنلتقي من جديد ،" يوم التلاق "هناك حيث لا يكون بعده فراق ، في جنة الله- سبحانه وتعالى- حيث ستكونين أجمل وأبهى من الحور العين اللائي وعد الله بهن المتقين ، وهناك تنتفي الغيرة ، أجل هناك لن تغاري كما كنت دائما تغارين غيرتك اللذيذة في هذه الدنيا ، وما آمله من رحمة الله وكرمه أن ننال هذا النعيم ، وأرجو ألايخيبنا الغفور الودود ذو العرش المجيد .
والآن : لم أكتب إليك هذه السطور ؟ قد يسلم الله- عزوجل- ولا تقرئينها ، وقد تخبرين يوما باستشهادي فتحتاجين إلى أن تكلميني ، لقد كتبت هذا الذي بين يديك الساعة ، و أعرف تماما أنها ستكون صعبة وثقيلة عليك ،فأحببت أن أخفف عنك ، وأقول لك آخر ماأتمنى أن أقوله لوأن موتتي كانت على فراشي وفي حجرك يوما من الأيام .
لقد كنت في حياتي ، وردة جورية حمراء بلدية ،يسحرني لطفها وأنسها ، وجمالها وعبقها ، ويمسح عني حلو عشرتها تعب الحياة ، ولفح معافستها ،ولكن المجرمين يدوسون بأحذيتهم القذرة كرؤوسهم على الورود ويسحقونها ، وبكل قسوة وشراسة ، بل هم يحطمون كل جميل في بلدنا ، ويشيعون كل قبيح ومنتن!!!لقد فعلوها كثيرا مع الكثيرين ، وكما لا يمكن أن أتصور أن يمسوك بأذى ،لم أحتمل أن يفعلوا هذا بمن هم مثلك ،كم سأكون تافها ودرفيلا منعدم الاحساس لو قبلت بمايحدث مع فتيات ونساء من بلدي ، وأنا أقول كما يقول الجبناء : حوالينا ولا علينا.
غاليتي .. العرض غال ،لقد هجر رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم قوما من يهود من المدينة المنورة لمجرد أنهم تحرشوا بامرأة مسلمة ، ونزعوا عنها حجابها ،وجيش المعتصم جيشا جرارا عندما استنجدت به امرأة من عمورية ،فهل نسكت وهذه الحثالة تنتهك الأعراض ، بل ونقول لزعيمهم الذي لا يراعي حرمة لأحد :(منحبك ).
تعالي معي،غاليتي ،أذكرك بمواقف من حياتنا القصيرة التي عشناها معا لعلها تشعرك بجدارة ماأقدمت عليه ،في هذه الساعة التي قد يطغى الحزن فيها على تفكيرك المتوهج الحي ،وان كنت واثقا أن من كان مثلك سيرى ولو بعد حين ضرورة أن يقوم مثلي بما قمت به، ويقدر من سبقوه إليه
أنت تعرفين أنني لست بطلا ،بل لعلي أقرب إلى الرقة والضعف مني إلى القوة والمخاشنة ،صدقيني ،معظم الذين يخرجون في المظاهرات معنا ليسوا أبطالا ،أقصد أنني لست من طراز حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولا خالد بن الوليد رضي الله عنهما ،تستطعين أن تقولي إنني أقرب إلى حسان بن ثابت رضي الله عنه ،ولا أعني- بذلك-   أنه كما قيل عنه مما أنكره ،ولكن أعني أنه لم تكن له جرأة سيف الله أوإقدام أنس بن النضر ، أو روعة ثبات جعفر الطيار ، حيث عانق الموت ، وهو يرتجز " يا حبذا الجنة واقترابها "،أقول هذا مع كثير من حسن الظن بي- تراني استطعت أن أجعلك تبتسمين- ولكن هؤلاء الحثالة من الظلمة لا يعرفون أنهم بما يقترفونه من جرائم يصنعون أبطالا حقيقيين كل يوم ، وهذا ما حدث مذ بدأت الاحتجاجات ،مصنع من الظلم الوحشي الغبي لصنع عدد كبير من الأبطال.
تعرفنا في الجامعة ،و عقد قراننا على أن نتزوج بعد حين ،كنت من المحجبات الجديات اللاتي يأتين إلى الجامعة ليتعلمن ،ولا يأتين للهو وعبث ،وكان احتشامك هذا ذنبا بعرف هذه الحثالة المتسلطة ،لأنهم يريدون منكن- معاشر النساء- أن تبذلن أنوثتكن لعيونهم الجائعة الوقحة ،تذكرين الأستاذ عدنان وهو عضو عامل في الحزب المشؤوم،كان في المدرج وأمام مئات الطلاب يسخر من الحجاب والمحجبات ،يقول بكل صفاقة أن المحجبة لا ريب أنها تخفي رذائل سلوكاتها وراء الحجاب ،وأن الشريفة الطاهرة الواثقة من نفسها لا تتخفى وراء قطعة قماش ،هذا المنطق المغرق في الغباء بل النفاق والمغالطة لا يقنع الا من هم مثله الذين لا يعرفون معنى للشرف ، ولا قيمة للطهر.
كانوا يضايقونكن ،ويضعون المحجبة منكن في زمر الدروس العملية مع أراذل الشباب ،الأستاذ والطلبة يبذلون أقصى الجهود لإزعاجكن ،هذه هي أخلاق حزبهم الذي يتفاخرون به وبالانتماء إلى عقيدته الفاسدة ، تعرفين ياغاليتي ؟منذ تلك الأيام كنت أشعر أن عيونهم وألسنتهم تنتهك عرضي فيك، ومع ذلك صبرت ،وقلت أيام وتنتهي،لكن الصبر على الظالم- كما فهم شعبنا أخيرا- يزيد في ظلمه ووقاحته وتماديه ،وهكذا صنعوا- دون قصد- الأبطال.
غاليتي ، تذكرين ذلك الأستاذ الوقح الذي كان يمشي في أروقة الكلية يتفاخر بالصبايا اللواتي يحومون حوله ،ومثلك ممن لا يروي رغباته المريضة كان نصيبهن التعسير في الامتحان والتقييم ، مادته بقيت معك حتى آخر سنة ، كل فصل دراسي تحاولين وهو مصر على إزعاجك ،كدت أجن ،هل كان ينتظر منك شيئا؟ هل يتوقع أن تبذلي نفسك له من أجل النجاح ،ياله من غبي وقح وأرعن ، وفي آخر سنة توسط بعض ممن له عليه دالة فأعطاك علامة النجاح الأدنى مع أنك تستحقين أعلى من ذلك بكثير ،ولكنه كان ينفث آخر نيران غيظه وحقده.
غاليتي ،هل تتصورين أن أمورا كهذه كانت خفيفة على نفسي ،لماذا لا يريدون أن يحترموا الطهر والعفاف ؟! الجامعة مليئة بمن يملن إلى ما يميلون إليه- ولا أريد أن أصفهن بأكثر من ذلك – لماذا هذا الحقد على العفيفات الطاهرات ،هل هذا من عقيدة حزبهم ؟أم أنها قذارة النفوس التي تأبى إلا أن يتسخ كل شيء.
تذكرين ياغاليتي يوم كنا في سيارة أجرة ،وكنت معك وقد شردت قليلا فلم أنبه السائق الى أن يقف عند ما نريد ،فجأة صحوت، فقلت له قف هنا ، وقف،وصادف أن كان وراءه سيارة يقودها واحد ممن يظنون أنفسهم آلهة ،نزل منها ثلاثة مرافقين له ،هم عصابة تسلط وعدوان ، وفتحوا باب سيارة السائق التي نحن فيها ، وأخرجوه منها، وبدأوا يضربونه بأيديهم وأرجلهم ،أمام هذا المنظر نزل المتعالي قائد العصابة ،كان في فمه سيجار، يمكن أن يعادل ثمنه أجرة يوم كامل للسائق ،اقتربت منه وقلت له :أرجوك ياسيدي إنه خطأي ،أنا لم أنبهه في الوقت المناسب ،قال بكل صفاقة :لا بد أن يتربى هذا الكلب!!! ،نزلت أنت من السيارة واقتربت منه ، ورجوته أن يعفو عن السائق ،قال بكل قبح الأرض :اذهبا ، والا شحطتكما معه إلى الفرع،كدت أجن ، هل يمكن أن يفعلها ؟ ماالذي فعله السائق ؟! وماذا فعلنا حتى نستحق كل هذا ؟!،إلا أن رحمة ربي أنجدتنا في اللحظة الأخيرة ،عندما قال المتعالي لزبانيته: اتركوه ،وركبوا سيارتهم وانطلقوا كالمجانين ، واقتربنا معا من السائق المدمى ،لا نعرف مانقول ،هل نعتذر ،هل نواسي ،كنت أنظر اليه وأنظر اليك ،هل حقا كان من الممكن أن يأخذوك معهم الى الفرع ؟! هم فعلوها كثيرا ،فعلوها في الستينات والسبعينات وخصوصا الثمانينات ، هم يفعلونها كل يوم ،ثم يريدون منا أن نقول : (منحبك).ولا تظنين بأن هذا الغضب على السائق كان لمجرد أنه خالف في نظرهم ، لا ، وإلا فلم امتلأت البلاد بكل هذا الفساد الذي دخل حتى أعضاء التنفس!!! أعود لأقول بالفم المليان :لا والله ما (منحبك ) ويجب أن تفهم ذلك ، لهذا خرجت مع من خرجوا ،لأنك عندي غالية ، يجب ألا تمسي بسوء ،وألا يتثاقل عليك الوقحون ،وألا يعسروا طريق نجاحك ، وألا يساوموك على عفافك، وألا يأخذوك إلى فرع الإذلال والنكال والخسة كما أخذوا غيرك ، وخروجي مع من خرجوا لنطهر البلاد من هذا الوباء ، ونمهد للجيل القادم بيئة العزة والكرامة والطهر.
ثم كان المعسكر الانتاجي ،في السنة قبل الأخيرة من التخرج ،وكانت السهرات الماجنة التي يختلط فيها الحابل بالنابل ،وتذوب الكرامة فيها حياء أمام سقوط كل حدود الاحترام والآداب والحرمات ،لعل كل هذا قد خطط له بمهارة شيطانية ،هم يريدون مجتمعا " الدعارة فيه مقبولة " على أنها انطلاق وحرية!!! ،هم يقولون- كما كرروا دائما- ماالذي تفعله ورقة المأذون ،أو كتاب الشيخ ،أو عقد القسيس ،الأصل هو الحب ، وهو الذي يطهر أية صلة بين الاثنين ،كم من زواج شرعي لا حب فيه ،هذا هو منطق الشياطين الذين أطلق عليهم اسم المنظمات الشعبية ، شبيبة الثورة ،والاتحاد الوطني لطلبة سوريا ،كنت ياغاليتي دائما واعية بما يحاك لجيل كامل خطط لإسقاطه ،لقتل المروءة فيه ،وكانت صحبتك مع بعض الأخوات المؤمنات الفاضلات وترددكن على مربية جليلة سببا في صياغة شخصيتك بأنبل وأطهر وأكمل مايمكن ،في الجامعة والمدرسة تربى الفتيات على مفاهيم العنتريات التحررية ،والخروج على الدين والأخلاق والتقاليد ،وأي صراع ممكن مع أي رجل ممكن ،باعتباره رمزا للمجتمعات الذكورية ،أما أنت ياغاليتي فقد ربيت على الأنوثة الرقيقة العفيفة الفاعلة الفاضلة ،ولكن الحثالة الحاكمة لا تريدكن كذلك ،لذلك لوحقتم ومنعتم وطلبتم للتحقيق غير مرة ، تذكرين ياغاليتي يوم سألك المحقق عن كتاب مختصر ابن كثير الذي تقرؤونه على مربيتكن ،قلت له بكل براءة :نعم هو تفسير للقرآن ،ولم يخطر في بالك أن ابن كثير نفسه صار من المطلوبين ،هو وابن القيم وابن رجب الحنبلي ،باعتبارهم من تلامذة الارهابي الكبير والخطير ابن تيمية .
غاليتي ،هل هذه حياة يسكت عليها ؟ هل يمكن أن تتصوري شعوري عندما كنت تذهبين للتحقيق بتهمة قراءة كتب التفسير والحديث ،كنت أذهب معك وأقف في الشارع لأنني ممنوع من الدخول ،تدخلين وحدك بين حثالة مجرمة ، موقف يمكن أن يصنع من أي ضعيف جبان بطلا ،عرضي وشرفي وحبي وزوجتي في الداخل مع المجرمين وأنا واقف على الباب لا أملك إلا الدعاء " اللهم احفظ وسلم " ،ولكن ..من قال إن الدعاء لا يكفي!! ،هذه الملايين التي خرجت اليوم لتقول " لا " هي استجابة رب العزة لدعائنا ،ولدعاء مئات الآلاف من المظلومين منذ أكثر من أربعين عاما ، ولعل هذا يوقفنا على سنة الله في التغيير حيث يقول " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم " فيصبح المحتجون على الظلم بقوة قدر الله في التغيير !،والناس اليوم اخترعوا هتافا جديدا :الشعب يريد إعدام الرئيس ،أقسم أنه عندما يسمع هذا الهتاف يهتز من جواه خوفا ورعبا .
غاليتي ،قلت لأمي في رسالة تركتها لها إن الشعب يريد الذهاب إلى طبيب الأسنان ،يتحمل آلام عمل الطبيب ليخرج بعدها معافى من الألم وأيامه مشرقة ،أنت سأقول لك شيئا آخر ..الشعب يريد الذهاب إلى طبيبة النساء للولادة ،لتتحمل الأمة آلام المخاض التي لا يعدلها ألم في الدنيا ،ولتلد طفلها ، ولتطلق عليه اسم " الحرية "،ليحيا الطفل في بيئة الحرية والكرامة التي هيأها المحتجون بالتضحيات .
عندما جئتني بابننا ،كنت أشعر بآلام المخاض معك ،كل صرخة منك كان لها صدى في أعماقي ،ثم جاء الوليد ،وسكت عن الصراخ ،وسمع صوت الجنين ،حمدت الله كثيرا وبكيت كثيرا ،دخلت وحملته بين يدي ،وقربته منك ،يقولون إن الأم عندما تضم وليدها يذهب ألمها ،كانت في عينيك بقايا دموع من الألم ،وفي عيني بقايا دموع من الفرح ،وربما الحزن ،لأننا أتينا بولد ليعيش ذليلا في بلد يحكمه الظلمة ،هل يعقل أن تتحمل النساء آلام الوضع للمجيء بالأولاد ،ولا تتحمل الشعوب آلام الثورات لولادة الحرية ؟قلت لي ماذا سنسميه ؟ كنا قد تكلمنا في موضوع اسمه من قبل ،كنت تريدين أن تسميه محمدا ،ومن أقرب إلى القلوب من محمد صلى الله عليه وسلم ،أما أنا فأردت أن أسميه حمزة ،ليكون له نفرة حمزة رضي الله عنه العزيزة يوم خرج والفاروق مع المسلمين إلى الحرم في بداية العهد المكي ،مما يعتبر أول مظاهرة احتجاج على الظلم ،لا كما يقول بعض المتفذلكين من أن التظاهر وسيلة مدنية علمانية ،وليكون خليفة لحمزة الخطيب الذي قتلوه بكل دم بارد ونجس.
غاليتي،هم حثالة ،ليسوا كما يقولون أصحاب رسالة أو قضية ،أصحاب الرسالة لا يسبون الدين ولا الله تبارك وتعالى ، وان كانوا غير مؤمنين ،أصحاب الرسالة لا يسبون العرض والشرف،ولا الأم والأخت ، مهما كان السبب ،لقد عشنا معهم عمرا عرفنا فيه من هم وكيف يفكرون وماهي أخلاقهم ،واذا كان العالم اليوم قد قرر أن يحاسبهم لمقتل ثلاثة آلاف شهيد واعتقال عشرة آلاف سجين ،فاننا هنا سنحاسبهم على مقتل أكثر من خمسين ألف شهيد واعتقال وتشريد مئات الآلاف وتخريب بلد وأجيال كاملة .
غاليتي أحمد الله على أن يسر لي طريق الشهادة ،فوالله ماكنت يوما أتصور أنني قادر على تعريض نفسي للخطر،لا أعرف ان كنت ستلقين على جثماني نظرة أخيرة ، لا يهم ، فمكاني في قلبك أعرفه ،أريد منك أن تتماسكي وتعتزي بما فعلت ،وتظهري لأمي وللناس قوتك وإيمانك وفرحك ،نعم فرحك ، فسرعان ماسيطوى عالم البرزخ لنلتقي في جنة رب العزة مادمنا قد أردنا العزة .
أما حمزة الصغير فنشئيه على مانشأنا عليه ،وقولي له إن أباك قدم أغلى ماعنده لتعيش حياة كريمة وطاهرة ،فلا تضيع تضحية أبيك بصحبة الشياطين ،وقولي له إن أباك أحبك كثيرا ،أحبك ، فدفعه حبه إلى الموت من أجلك.
غاليتي ،هم يريدون من بلدنا أن تكون حانة كبيرة وكل فتياتها بغايا لهم ،خسئوا والله ،فأرواحنا فداء لحرائرنا ،غاليتي ،قد تطول حياتك فلا بأس في أن تفكري بزواج آخر ،عندما تريدين ،ولكنك ستبقين غاليتي وحوريتي الأولى في الجنة ،وأنا في انتظارك .
أبو عبيدة

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين