أهمّية الدِّراسات المشتركة في المقررات الجامعية علم الكلام والسنة النبوية نموذجا (2)

المبحث الثاني: الصلة بين السنة النبوية وعلم الكلام

لا خلاف بين العلماء على أنّ السنة النبوية مصدر من مصادر العلوم الإسلامية، كعلم الكلام والفقه والتفسير... كما أنَّكل من صنف في علم الكلام جعله ضمن العلوم الإسلامية ومن أوائلهم الفاربي (ت:339ه) في إحصاء العلوم، والخوارزمي(ت:232ه) في "مفاتيح العلوم"(11) وابن خلدون(ت:808ه) في تاريخه، وطاش كبرى زادة(ت:968ه) في مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم"، وخير من توسع في المسألة وبينها الغزالي في كتابه "المستصفى".

يقول التهانوي(ت:1158):" وموضوعه هو المعلوم من حيث أنه يتعلّق به إثبات العقائد الدينية تعلّقا قريبا أو بعيدا...ومن هذا تبيّن مرتبة الكلام أي شرفه، فإن شرف الغاية يستلزم شرف العلم... والكلام هو العلم الأعلى إذ تنتهي إليه العلوم الشرعية كلّها، وفيه تثبت موضوعاتها وحيثياتها"(12).

المطلب الأول: السنة النبوية مصدر من مصادر العقيدة وعلم الكلام

ذكرنا فيما سبق تعريف السنة النبوية بأنها أقوال وأفعال، ومن المعلوم أن السنة النبوية مصدر للتشريع والمعرفة والأخلاق، والذي يعنينا هنا أنَّ السنة مصدر من مصادر المعرفة المتصلة بجزئيات العقيدة، والأدلة على ذلك من السنة كثيرة، ومتنوعة: منها ما هو متصل بالإلهيات، ومنها بالنبوات، ومنها بالغيبيات، وهذه أبرز مواضيع العقيدة.

فممَّا هو متصل بالله تعالى قوله عليه الصلاة والسلام «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل»(13)، وقوله عليه الصلاة والسلام " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له " (14) وكذا الأحاديث الواردة في رؤية الله تعالى يوم القيامة.

ومن الأحاديث المتصلة بالأنبياء قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، حتى لا يقبله أحد» (15).

ومن الأحاديث المتصلة بالغيبيات قوله عليه الصلاة والسلام:"انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران..." (16)، وكذا ما ذكرناه سابقا عن نزول عيسى عليه السلام والأحاديث الواردة في طلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج، ويدخل في هذا كل أحاديث الفتن(17).

ويدخل في هذا كل الأحاديث الواردة التي ستحصل في مستقبل الأيام، كالحديث عن أحوال الجنة والنار، والميزان والصراط، وعذاب القبر، ورؤية الله تعالى يوم القيامة، أو عن الماضي كخلق الكون والعرش وإبليس وما حدث مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

المطلب الثاني: ضرورة التنسيق بين علمي الكلام وبين علوم السنة النبوية

من المعلوم أنّ جل العلماء السابقين كانوا مُطَّلعين على أغلب هذه العلوم، كالأشعري(ت:330هـ) وأبو منصور الماتريدي(ت:324هـ)، والجويني (ت: 478هـ)، والغزالي(ت:505هـ) وابن الجوزي(ت:597ه)... ولا يُفهم من هذا أنَّ هؤلاء متخصصون بجميع العلوم، بل المقصود أنه إذا قيس أمرهم على غيرهم من المتأخرين كانوا ملمِّين بالعلوم الأخرى، ولا يعني هذا التّمكن فحتى الأوائل المشتغلون بالعلوم لم تسلم مصنفاتهم من ضعف في جانب على حساب جانب آخر، حيث نجد – مثلا- أحاديث موضوعة أو شديدة الضعف في كتب الكلام كالأحاديث الواردة في ذمَّ القدرية والأحاديث الواردة في افتراق الأمة، ووجدنا من خاض بعلم الكلام وبالمعقولات وهو ليس من أهله كالكتب التي ردَّت على المعتزلة (السُّنة لابن أبي عاصم ت:287ه)، والسنة المنسوب لعبد الله بن أحمد(ت:290هـ).

وهذا الأمر ليس خاصاً بالعقيدة، فالفقه لم يخل من ذلك، فقد تجد في الكتب الفقهية أحاديث لا أصل لها أو شديدة الضعف، ومثل هذا الأحاديث الواردة في التزكية وتطهير النفس ككتاب إحياء علوم الدين، ولأجل هذا ظهر التخريج على الكتب الأخرى كتخريج الحافظ العراقي (ت:806) لكتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي(ت:505)والذي أسماه "المغني عن حمل السفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من أخبار"، وكتاب ابن حجر العسقلاني( ت:852ه) المسمى "التخليص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير"، فقد خرج فيه أحاديث الشرح الكبير للرافعي الذي شرح به كتاب الوجيز في فقه الشافعي للغزالي.

ولم يكن التخريج قاصراً على كتب الفقه والتزكية فهناك أيضاً كتب التفسير، ومنها تخريج ابن حجر العسقلاني(ت:852هـ) على كتاب الكشاف للزمخشري (ت: 538هـ) وسماه "الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف".

الحلقة الأولى هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين