أهلُ الحوانيت والعلم


بقلم: عبد الحكيم الأنيس
 
 هذا خبرٌ جميل له دلالات معبِّرة، قرأتُه في ترجمة الراوي المحدِّث سعيد بن المغيرة الصياد المِصِّيصي، فأحببتُ أنْ أطرف به القراء:
   قال أبو حاتم الرازي عن سعيد هذا: ( كان ثقة، حسُبك به فضلا، ابتدأ في قراءة كتاب "السِّير"، فرأيتُ أهل المِصِّيصة قد غلقوا أبواب حوانيتهم، وحضروا مجلسَه)*.
   هذا هو الخبر، وهو -على قِصَره- يحمل دلالة رائعة على معرفة قيمة العلم، والرغبة فيه، والسعي إليه، وتفضيله على متاع الدنيا، واغتنام الفرصة إذا سنحتْ، ونحن نعلم حاجة أهل الحوانيت إلى كسب قوتهم يومًا بيوم.
   إنَّ الإقبالَ على مجالس العلم حتى من أصحاب الحوانيت هو ما ميَّز هذه الأمّة، ورفع من شأنها.
ولعل من أسباب هذا الإقبال أيضاً ثقة الناس بهذا العالم، فقد قال عنه الحسنُ بن الصباح: "كان من خيار الناس"، وهو ممّن روى له النسائي في "سُننه الكبرى"، في كتاب"عِشْرة النساء" منه.
   وسبب آخر هو أنَّ المصيصة ثغرٌ فهم بحاجة إلى التفقُّه بما يلزمهم فيه ممّا يكون في كتاب السِّير.
    والمِصِّيصة مدينة على شاطئ نهر جيحان، من ثغور الشام، قريبة من طرسوس، كانت من أشهر ثغور الشام، وقد رابط بها الصالحون قديمًا، وُينسب إليها عدد من العلماء.
وتقع اليوم ضمن حدود تركيا.
فيا أهل التجارات الواسعة:
هل تدعون أهل الحوانيت يسبقونكم إلى هذه الفضائل والمكارم؟
 
* انظر: "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (11/76)، و"الجرح والتعديل" (4/ الترجمة 283).           
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين