أهل الحل والعقد بين الماضي والحاضر

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين  والصلاة والسلام على  نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

مقدمة :

بعد الانجازات  المهمة  لتيار الاسلام السياسي في  بعض البلاد العربية  وفوزهم  الكبير في الانتخابات النزيهة طرح موضوع الحكم الاسلامي بقوة في دوائر القرار  والاعلام ، واختلفت رؤى الاسلاميين   حول نموذج الحكم  المراد  بين  من يريد  فرضه  بالقوة  كالقاعدة واخواتها  ومن يرفض ذلك  ويدعو الى  الرجوع للخيار الشعبي في تحديد نموذج الحكم المراد ، وفي كلا الحالين كان موضوع  مصطلح أهل الحل والعقد  رائجا وحاضرا ويثير تساؤلات  جدية حول مفهومه الشرعي  وعما إذا كان  صالحا للتنفيذ اليوم رغم  مرور قرون عديدة على  تطبيقه ، وفي  هذه المقالة المقتضبة  سأحاول إلقاء الضوء  على المصطلح  محاولا تجليته الشرعية  وعما إذا كان  مايزال  صالحا للتطبيق في شكل الدولة المعاصرة .

 ومما يجدر  ذكره  هنا  أن موضوع الخلافة  ومسائلها  لم ترد فيها نصوص محكمة  في  طريقة  اختيار الخليفة   وأوصاف  الذين يختارون ،  وطريقة عملهم ،  وإنما هي مسائل اجتهادية تسمح  باختيار الأنسب الذي يحقق  مصلحة الأمة حسب الظروف والأحوال  ، وهذا ينفي تشبث البعض  بما كان عليه الأولون  من طرائق  الاختيار  حيث إن الموضوع  يتسع للاجتهاد لتحقيق المصلحة .

قال الجويني ت 478 هج : ومعظم مسائل الإمامة عرية عن مسالك القطع خلية عن مدارك اليقين(غياث الأمم ج 1ص 59 ) 

وقال أيضا ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة في التآخي والتحري   (غياث الأمم  ج 1   ص 48 )

 

  وغني عن البيان أن  موضوع الحكم هو من أخطر المحطات التاريخية في تاريخ الأمم ومن ذلك تاريخنا الاسلامي ، لما له من  أهمية في حياة الشعوب حاضرها ومستقبلها ، ولذلك  تتنازعه  الخلافات  الدينية والدنيوية .

 قال الشهرستاني ت 548 هج : وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سل سيف فى الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة فى كل زمان   (الملل والنحل  ج 1   ص 24 )

 وهذا يفرض علينا اجتراح الوسائل  المناسبة  لتجنيب الأمة مخاطر التنازع والفرقة  وإيجاد الصيغة  المعاصرة  التي  تحفظ حقوق  الناس بالعدل ،  و ترسخ  مفاهيم التعايش ،  وتحافظ على السلم الأهلي طالما أن ( معظم مسائل الامامة عرية عن مسالك القطع خلية عن مدارك اليقين  )

 

من هم أهل الحل والعقد وما هي صفاتهم ومهمتم في نظر فقهاء  القرون السالفة  ؟ :

 

من المناسب  إلقاء الضوء على المصطلح كما  رآه الأولون  حين كان الحكم اسلاميا  في ظل  الخلافة:ــ

 

ــ  هم العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم (  النووي في منهاج الطالبين  ت676 هج ج 1 ص 131)

ــ  هم العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر حضورهم من غير اشتراط عدد ولا اتفاق من في سائر البلاد بل لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته (التفتنازي( ت 791هج) في شرح المقاصد في علم الكلام ج 2 ص 272 )

ــ  والمعتبر هو بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم حالة البيعة بلا كلفة عرفا كما هو المتجه ، لأن الأمر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس ويكفي بيعة واحد انحصر الحل والعقد فيه  . (الرملي(ت 1004هج) في نهاية المحتاج ج 7 ص 410  )

ــ  أهل الحل والعقد من العلماء ووجوه الناس الذين بصفة الشهود من العدالة وغيرها من العلم الموصل إلى معرفة مستحق الإمامة وأن يكونوا من أهل الرأي والتدبير(السيوطي الرحيباني ( ت1243هج ) في  مطالب أولي النهى ج 6  ص  263 )

ــ  وقال جلال السيوطي( ت911هج ) في جامع الاحاديث : فَقَالَ عُمَرُ : أَمْهِلُوا فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصَل بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ ثَلاَثَ لَيَالٍ ، ثُمَّ اجْمَعُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَشْرَافَ النَّاسِ وَأُمَرَاءَ الأَجْنَادِ فَأَمرُوا أَحَدَكُمْ ، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ ). (جامع الأحاديث  ج 13ص 377 )

 

ــ  قال الجويني : مما نقطع به أن الإجماع ليس شرطا في عقد الإمامة بالإجماع والذي يوضح ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه صحت له البيعة فقضى وحكم وأبرم وأمضى وجهز الجيوش وعقد الألوية وجر العساكر إلى مانعي الزكاة وجبي الأموال وفرق منها  ،  ولم ينتظر في تنفيذ الأمور لا نتشار الأخبار في أقطار خطة الإسلام وتقرير البيعة من الذين لم يكونوا في بلد الهجرة وكذلك جرى الأمر في إمامة الخلفاء الأربعة ( غياث الأمم  ج 1   ص 52  )

 

ـــ أما شيخ الاسلام ابن تيمية ( ت728هج )  فله رأي  آخر  يقول  في منهاج السنة  وهو يردُّ على بعضِ أهل الكلام الذين يرَوْن انعقاد الإمامة بالأربعة والثلاثة ودون ذلك إذ قال: (ليس هذا قولَ أئمَّة أهل السُّنة، وإنْ كان بعض أهل الكلام يقولون: إنَّ الإمامة تنعقِد ببيعةِ أربعة، كما قال بعضُهم: تنعقد ببيعة اثنين، وقال بعضهم: تنعقد ببيعة واحد، فليستْ هذه أقوالَ أئمَّة السُّنة، بل الإمامة عندهم تثبُت بموافقة أهل الشَّوكة عليها، ولا يَصير الرجلُ إمامًا حتى يوافقَه أهلُ الشوكة عليها، الذين يحصُل بطاعتهم له مقصودُ الإمامة؛ فإنَّ المقصودَ من الإمامة إنَّما يحصُل بالقُدرة والسُّلطان، فإذا بُويع بيعةً حصلَتْ بها القدرةُ والسُّلطان، صار إمامًا  ( منهاج السُّنة 1/526)  

 

ــــ   ونستنتج مما سبق  أن أهل الحل والعقد  هم العلماء والوجهاء، والقادة العسكريون وأهل الرأي والمشورة  وقادة القبائل ، القادِرون على عَقْد الأمور وحَلِّها، الذين يكون الناسُ من أهل الدِّين والدنيا  تبعًا لهم.

 

أما مهمتهم  : 

 

 فقد نيط بأهل الحل والعقد عمل معين ـ وهو تعيين الخلفاء ــ  نيابة عن الأمة فهم الذين يختارون الامام ويبايعونه  وتصبح بيعتهم للامام ملزمة لكل  المسلمين .

 

الشورى طريقة اختيار الامام :

 ــ  ومما يجب  ذكره أن الشورى  كانت هي  طريقة  اختيار الامام ، يتشاور أهل الحل والعقد بينهم  وأيضا يستشيرون  جمهور المسلمين ، وما جرى من استخلاف أبي بكر  لعمر  أوعمر  للستة فما هو إلا ترشيح  ، لاتثبت به  الامامة إلا ببيعة  جمهور المسلميين  : 

 

قال ابن تيمية في منهاج السنة : (1/531): (لو قُدِّر أنَّ عُمرَ وطائفةً معه بايعوه - يعني: أبا بكر - وامتنع سائرُ الصَّحابة عن البيعة، لم يَصِرْ إمامًا بذلك، وإنما صار إمامًا بمبايعة جمهور الصَّحابة، الذين هم أهلُ القُدرة والشوكة . ولهذا لم يَضُرَّ تخلُّفُ سعدِ بن عُبادة؛ لأنَّ ذلك لا يَقدَح في مقصودِ الولاية؛ فإنَّ المقصود حصولُ القُدرة والسُّلطان اللَّذين بهما تحصُل مصالحُ الإمامة، وذلك قد حصَل بموافقة الجمهور على ذلك.

فمَن قال: إنَّه يصير إمامًا بموافقة واحد أو اثنين أو أربعة، وليسوا هم ذَوي القُدرة والشوكة، فقد غلِط؛ كما أنَّ مَن ظنَّ أنَّ تخلُّفَ الواحد أو الاثنين والعَشرة يضرُّه، فقد غلِط). انتهى كلامه.

 

جاء في صحيح البخاريِّ عن عُمرَ رضي الله عنه أنَّه قال: ((مَن بايع رجلًا عن غير مشورةٍ من المسلمين، فلا يُبايَع هو ولا الذي بايَعَه؛ تغِرَّةَ أن يُقتلَا))، أيْ: حذرًا أن يُقتلَا.

قال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله في (الفتح12/150): (فيه إشارةٌ إلى التحذير من المسارعة إلى مِثل ذلك، حيث لا يكون هناك مثلُ أبي بكر؛ لِمَا اجتمع فيه من الصِّفات المحمودة، من قِيامه في أمْر الله، ولِينِ جانبه للمسلمين، وحُسنِ خُلُقه، ومعرفتِه بالسِّياسة، وورعِه التامِّ، ممَّن لا يوجد فيه مثلُ صِفاته، لا يُؤمَنُ مِن مبايعته عن غيرِ مشورةٍ الاختلافُ الذي يَنشأ عنه الشَّرُّ).

 

وقد ذكر ابن قتيبة في الامامة والسياسة ( ت 276 )  كيف كانت الشورى  في بيعة عثمان رضي الله عنه عندما تشاور الستة  الذين  رشحهم عمر  للخلافة  فأوكلوا أمر الشورى لجمهور الناس  لعبد الرحمن بن عوف :

قال : ذكر الشورى وبيعة عثمان بن عفان رضي الله عنه ،  ثم إنه بعد موت عمر اجتمع القوم فخلوا في بيت أحدهم وأحضروا عبد الله بن عباس والحسن بن علي وعبد الله بن عمر فتشاوروا ثلاثة أيام  .....

وخرج ( عبد الرحمن بن عوف ) يتلقى الناس في أنقاب المدينة متلثما لا يعرفه أحد فما ترك أحدا من المهاجرين والأنصار وغيرهم من ضعفاء الناس ورعاعهم إلا سألهم واستشارهم

أما أهل الرأي فأتاهم مستشيرا وتلقى غيرهم سائلا يقول من ترى الخليفة بعد عمر فلم يلق أحدا يستشيره ولا يسأله إلا ويقول عثمان فلما رأى اتفاق الناس واجتماعهم على عثمان ......( الإمامة والسياسة  ج 1  ص 27 )

 

وقال  الماوردي في الأحكام السلطانية ( ت450هج):

 

فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلا وأكملهم شروطا ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته فإذا تعين لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه فإن أجاب إليها بايعوه عليها وانعقدت ببيعتهم له الإمامة فلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته وإن امتنع من الإمامة ولم يجب إليها لم يجبر عليها لأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار وعدل عنه إلى من سواه من مستحقيها .

فلو تفرد في الوقت بشروط الإمامة واحد لم يشرك فيها غيره ، تعينت فيه الإمامة ولم يجز أن يعدل بها عنه لغيره .، اختلف أهل العلم   في ثبوت إمامته وانعقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار، فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته وانعقاد إمامته وحمل الأمة على طاعته وإن لم يعقدها أهل الاختيار لأن مقصود الاختيار تمييز المولي وقد تميز هذا بصفته وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن إمامته لا تنعقد إلا بالرضا والاختيار   (الأحكام السلطانية  ج 1   ص 7و8  )

 

وفي ( جامع الاحاديث)   للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي  (ت 911هـ ) ،

َورد أن عُمَرُ قَالَ : أَمْهِلُوا فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصَل بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ ثَلاَثَ لَيَالٍ ، ثُمَّ اجْمَعُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَشْرَافَ النَّاسِ وَأُمَرَاءَ الأَجْنَادِ فَأَمرُوا أَحَدَكُمْ ، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ ) . جامع الأحاديث  ج 13   ص 377

 

ــ صفات أهل الحل والعقد   :

 

قال الجويني ( ت478هج) في غياث الأمم:

 الاجماع انعقد على أن  النساء والعبيد وأهل الذمة  والعوام  ليسوا من  أهل العقد والحل  ، وأما من اشترط فيهم  الاجتهاد  فهذا شرط مختلف فيه  ، وذهب القاضي الباقلاني في عصب من المحققين إلى أنا لا نشترط بلوغ العاقد مبلغ المجتهدين بل يكفي أن يكون ذا عقل وكيس وفصل وتهد إلى عظائم الأمور وبصيرة متقدة بمن يصلح للإمامة فيما يشترط استجماع الإمام له من الصفات

ثم يضيف فيقول : فأما الأفاضل المستقلون الذين حنكتهم التجارب وهذبتهم المذاهب وعرفوا الصفات المرعية فيمن يناط به أمر الرعية فهذا المبلغ كاف في بصائرهم والزائد عليه في حكم ما لا تمس الحاجة إليه في هذا المنصب وقد تمهد في قواعد الشرع أنا نكتفي في كل مقام بما يليق به من العلم .

وقد ذكرالمارودي ( ت450هج) أن الشروط التي يجب أن تتوافرفي أهل الحل والعقد هي :

1- العدالة الجامعة لشروطها الواجبة في الشهادات، من الإسلام والعقل والبلوغ وعدم الفسق واكتمال المروءة.

2- العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة في الإمام.

3-الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح، وبتدبير المصالح أقوم وأعرف (الأحكام السلطانية ج1ص6 )..انتهى

 

ـــ  أما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فلا عبرة بها ( نهاية المحتاج للرملي  ج 7   ص 410 )

 

ــ  أما طريقة تعيين أهل الحل والعقد، فهي بأحد طريقين: 
 

أ ـ تعيين الخليفة لهم، كما فعل عمر بن الخطاب بتعيين ستة من أهل الحل والعقد ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم خليفة للمسلمين بعده وكان ذلك بمحضر من الصحابة دون نزاع. 
ب ـ التعيين بالحضور: إذا لم يعين الخليفة جماعة من أهل الحل والعقد، فإن من يتيسر حضوره منهم تنعقد به البيعة، ويقوم الحضور مقام التعيين. اهـ ( الموسوعة الفقهية )

 

التكييف الفقهي  لمصطلح أهل الحل والعقد ؟

 

وأرى أن أهل الحل والعقد  نواب ووكلاء عن الأمة  في  اختيار وتعيين الخليفة  قديما  والملك أو الرئيس  اليوم . فهم يباشرون انتخاب رئيس الدولة ـ الخليفة ـ نيابةً عن الأمة ومن ثَمَّ تعتبر بيعتهم للامام ملزمًة لكل أفرادها  .

 

وإذا  كان  أهل الحل والعقد  في عصر الراشدين  من أفضل الناس  لما لهم من سابقة الاسلام وترسيخ  دعائم دولته  وما عرف عنهم  من فضائل   كثيرة  في الخلق والدين  ، وكذلك جهادهم  مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  بحيث فوضتهم الأمة تفويضا ضمنيا  لاختيار خليفة المسلمين ، فإن  من بعدهم  اختلف  حالهم ،  ومن ثم  أصبحت  شروط أهل الحل والعقد  أقل سموا ورفعة مما كانت عليه ، ومع ذلك بقي هذا المصطلح  طريقة في البيعة  للا مام  على مر العصور  رغم  ماشابه  من  انحرافات ونقائص  ،

وأما اليوم فما زالت بيعة اهل الحل والعقد لمن سيكون ملكا  للبلاد موجودة في بعض الأنظمة الملكية في البلاد الاسلامية ، يبايع الملك فيها  المشايخ والقضاة  والوجهاء وقادة  الجند ورؤوس القبائل ممن يحظون بولاء معظم الناس لهم  وبالتالي  يتحقق ولاء  وطاعة  أفراد الأمة   لمن بايعه  ( أهل الحل والعقد ) وتصبح بيعة هؤلاء ملزمة لكل أفراد الأمة .   

 

أما  في الدول غير الملكية فإن  تعيين الرئيس :  إما أن يكون بالانتخاب المباشر من أفراد الشعب   ، أو  غير المباشر عن طريق  ممثلي الأمة  من ( نواب البرلمان ) الذين  اختارتهم الأمة ليكونوا ( أهل  الحل والعقد )  فيقومون  باختيار  رئيس البلاد  ومراقبته ومحاسبته  وعزله  إن اقتضى الأمر ذلك .

وهذا الأسلوب المعاصر لايستثني من حق الانتخاب والترشح المرأة  والعوام  وأصحاب المذاهب الدينية  والفكرية  لأن ذلك  أدعى للقبول عند  جمهور الشعب ،  على قاعدة حق المواطنة للجميع في عصر ابتعدت فيه انظمة حكم المسلمين عن نظام الاسلام في الحكم بعد سقوط الخلافة  العثمانية حتى غابت أو غيبت ثقافة الأمة  بماضيها السياسي ،  وقد لعبت في  إبعاد نظام الحكم الاسلامي قوى محلية ودولية قاومت ومازالت تقاوم حلم المسلمين  لاستئناف حياتهم  في  ظل حكم اسلامي رشيد 

ومع ذلك مازالت الأمة تختار نظام الحكم الاسلامي في معظم الانتخابات النزيهة مايدل على أن هذا النظام هو خيارها في الحكم

ويجادل  كثير من الاسلاميين اليوم في أن  الاسلام  لايسمح  لغير المسلمين  والمرأة  بالترشح لرئاسة البلاد الاسلامية، وآخرون يرون غير ذلك  وأن  المواطنة هي أساس الحق والواجب  ، وتبقى  هذه المسألة  بين أخذ ورد بين الاسلاميين أنفسهم ، ويبقى هذا الحل ( الانتخاب المباشر  أو غير المباشر للرئيس ) مقبولا على الأقل في  ظروف المسلمين الحالية من أي خيار آخر قد يؤدي الى صراع  أهلي  بدعوى  التهميش وعدم التمثيل الحقيقي .

قال ابن القيم ( ت751 ) في إعلام الموقعين عن رب العالمين :

فإن اللَّهَ ارسل رُسُلَهُ وانزل كُتُبَهُ لِيَقُومَ الناس بِالْقِسْطِ وهو الْعَدْلُ الذي قَامَتْ بِهِ السماوات والأرض فإذا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْحَقِّ وَقَامَتْ ادلة الْعَقْلِ واسفر صُبْحُهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كان فَثَمَّ شَرْعُ اللَّهِ وَدِينُهُ وَرِضَاهُ وامره ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لم يَحْصُرْ طُرُقَ الْعَدْلِ وَأَدِلَّتَهُ واماراته في نَوْعٍ وَاحِدٍ وَأَبْطَلَ غَيْرَهُ من الطُّرُقِ التي هِيَ اقوى منه وادل وَأَظْهَرُ ، بَلْ بَيَّنَ بِمَا شَرَعَهُ من الطُّرُقِ ان مَقْصُودَهُ إقَامَةُ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَقِيَامُ الناس بِالْقِسْطِ ،  فَأَيُّ طَرِيقٍ اُسْتُخْرِجَ بها الْحَقُّ وَمَعْرِفَةُ الْعَدْلِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمُوجَبِهَا وَمُقْتَضَاهَا، وَالطُّرُقُ اسباب وَوَسَائِلُ لَا تُرَادُ لِذَوَاتِهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ غَايَاتُهَا التي هِيَ الْمَقَاصِدُ ،  وَلَكِنْ نَبَّهَ بِمَا شَرَعَهُ من الطُّرُقِ على أَسْبَابِهَا وامثالها ، وَلَنْ تَجِدَ طَرِيقًا من الطُّرُقِ الْمُثْبِتَةِ لِلْحَقِّ إلَّا وَهِيَ شِرْعَةٌ وَسَبِيلٌ لِلدَّلَالَةِ عليها وَهَلْ يُظَنُّ بِالشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ خِلَافُ ذلك.   (إعلام الموقعين  ج 4   ص 373 )

 

هذا والله تعالى أعلم  ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين  .

 

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين