أهل البيت في الحديث النبوي

الفصل الأول

التعريف بأهل البيت رضي الله عنهم

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: التعريف اللغوي

المبحث الثاني: التعريف الاصطلاحي

الفصل الأول

التعريف بأهل البيت

إن من المفيد أن يقدّم الباحث تعريفًا بالمصطلحات التي يستعملها في بحثه لتكون واضحة للقارئ بالشكل الذي يريده منها الباحث، ولذلك أتناول في هذا الفصل التعريف بأهل البيت في اللغة والاصطلاح.

وأُقَسِّم الكلام في هذا الفصل إلى مبحثين:

المبحث الأول: يتناول التعريف اللغوي لمفردات البحث.

والمبحث الثاني: يتناول التعريف الاصطلاحي، وبيان أقوال العلماء في المراد بأهل البيت، مع أدلة كل قول، ومناقشة كل ذلك، للوصول إلى القول الراجح منها.

المبحث الأول

التعريف اللغوي

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: تعريف عناصر عنوان البحث

المطلب الثاني: الاستعمال اللغوي لأهل البيت

المبحث الأول

التعريف اللغوي

أذكر في هذا المبحث معنى مفردات عنوان البحث في اللغة العربية، ولذا قسمته إلى مطلبين، بيّنت في المطلب الأول: التعريف بمعنى الأهل، ومعنى الآل، والتفريق في المعنى بين الآل وبين الأهل، ومعنى البيت. وفي المطلب الثاني: معنى التركيب كاملًا: أهل البيت.

المطلب الأول

تعريف عناصر عنوان البحث

أولًا: الأهل:

لفظ الأهل مذكر. والجمع: أهلون وآهال وأهال وأهلات. والأهالي: جمع الجمع.

وأهل الرجل في الأصل: مَن يجمعه وإياهم مسكن واحد، فكلُّ مَن يسكن مع الرجل في مسكن واحد على الدوام يعتبر من أهله.

ويدخل في أهل الرجل كل مَن له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما. وأخص الناس بالرجل: زوجه وذريته وقرابته وعشيرته، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء:35].

وأهل البيت: سكانه والقاطنون فيه. ثم تُجُوِّز به، فقيل: أهل كذا: لكل مَن يجمعهم نسب أو دين أو بلد أو صناعة، أو ما يجري مجرى ذلك من الأمور المشتركة الجامعة والعلاقات والروابط القوية بمن أضيفت إليه. فهذا اللفظ إذا أُضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه، فيقال أهل مذهب كذا: مَن يدين به ويعتقده. وأهل الأمر: ولاته. وأهل المال: أصحابه ومالكوه.

وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن لله أهلين من الناس». قالوا: يا رسول الله، مَن هم؟ قال: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته».([2])

قال المناوي: ((أهل الله وخاصَّته: أي: الذين يختصُّون بخدمته. قال العسكري: هذا على المجاز والتوسع، فإنه لما قرَّبهم واختصهم كانوا كأهله)).([4])

فالمختصون بالقرآن هم أولياء الله، اختصاص أهل الإنسان به.

ويقال تعظيمًا للكعبة المشرفة: بيتُ الله. كما يقال لأهل مكة: أهل الله. تعظيمًا لهم لذلك.

قال المناوي: ((قيل لأهل مكة: أهل الله، لما كانوا سكان بيته وما حوله كانوا كأهله)).([5])

وهو أهل لكذا، أي: مستوجب له، الواحد والجمع في ذلك سواء.

وأهَّله لذلك تأهيلًا وآهله: رآه له أهلًا ومستحقًّا أو جعله أهلًا لذلك.

وأهِل الرجل وتَأَهَّل واتَّهل: تزوج واتخذ أهلًا.

وأكثر ما يراد بأهل الرجل في العرف: امرأته وذريته.

وإذا لاحظنا موارد استعمال مفهوم أهل البيت في اللغة لم نتردّد في شموله للزوجة والأولاد، بل وكل الذين لهم صلة وطيدة بالبيت.

وعند المسلمين إذا أُطلق أهل البيت فالمقصود أسرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:33].([6])

ثانيًا: الآل:

أصل آل: أهل، وهو رأي سيبويه. أُبدلتِ الهاء همزة فصارت في التقدير أأل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفًا، كما قالوا: آدم وآخر، وفي الفعل: آمن وآزر.

وقيل أصله: أول، وهو رأي الكسائي. سمي بذلك مَن يؤول إلى الشخص ويضاف إليه.

ويصغر الآل إلى أُهَيْل وأُوَيْل. وتصغيره إلى أهيل دليل لمذهب مَن قال إن أصله أهل، وبتصغيره إلى أويل احتج مَن قال إن أصله أول.

أَوَل أولًا: سبق.

وآل إليه أَوْلًا ومآلًا: رجع. وأول الشيء إليه: أرجعه.

وأوَّل الكلام: فسَّره وردَّه إلى أصله الغاية المرجوة منه. ومنه: الموئل: الموضع الذي يُرجَع إليه.

وآلُ الرجل: أهله وأقاربه، لأنه إليه مرجعهم وإليهم مرجعه، ولأنه يسكن معهم غالبًا.

وآل الرجل: أولياؤه وأنصاره وأتباعه أيضًا.

ويستعمل الآل فيمن يختص بالإنسان اختصاصًا ذاتيًا.

وكانوا يخصون بالآل الأشرف الأخص دون الشائع الأعم.

والغالب أنه لا يضاف إلا إلى معظَّم، فيقال: آل الله تعالى، ويقال: آل القاضي.

ومنه قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:33]، وقوله تعالى: ﴿ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ^ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر:46]. ولذلك قيل في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ولا يقال آل الحجام ولا آل الخياط، بل يقال: أهله.

وخُصَّ أيضًا بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات والأمكنة والأزمنة، فيقال: آل فلان. ولا يقال: آل رجل، ولا آل زمان كذا، ولا آل موضع كذا، كما يقال: أهل بلد كذا، وموضع كذا.

وأجاز بعضهم ذلك بِقِلَّة، واستشهدوا له بقول عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة الفيل:

وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك([9])

فقد أضاف الآل إلى الصليب وإلى الضمير، وهما غير معظَّمَيْن.

ويمكن أن يقال إنهما معظَّمان على زعم مَن يرى أنهم أهل للتعظيم.

وقد يُطلَق آل فلان على الشخص نفسه، وعليه وعلى مَن يضاف إليه جميعًا. وضابطه أنه إذا قيل: فعل آل فلان كذا، دخل هو فيهم إلا بقرينة، ومن شواهده قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:33] و قوله: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ^ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ [القمر:33-34] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما: «إنا -آلَ محمد- لا تحل لنا الصدقة».([10]) وإن ذُكِر الشخص وآله معًا فلا يدخل هو فيهم، فإذا قلت: أعط لزيد وآل زيد. لم يكن زيد هنا داخلًا في آله، وإذا قلت: أعطه لآل زيد. تناول زيدًا وآله.

وهذا له نظائر كثيرة ولا سيما في القرآن، وهي أن اللفظ تختلف دلالته بالتجريد والاقتران كالفقير والمسكين هما صنفان إذا قرن بينهما، وصنف واحد إذا أُفرد كل منهما.([11])([12])

ثالثًا: البيت:

بات الشيء: مضت عليه ليلة، فهو بائت.

وبات يفعل كذا يبيت أي: ظل يفعله ليلًا. ومن أدركه الليل فقد بات، نام أو لم ينم.

وفي التنزيل العزيز: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ [الفرقان:64] وهذا لا يعني بحال أن عباد الرحمن الذين يمدحهم سبحانه هنا يقضون ليلهم في النوم، بل في عبادة ربهم سبحانه.

وبيَّت الأمر: عمله أو دبَّره أو فكَّر فيه ليلًا. وبيَّت العدوَّ بياتًا: أوقع به فجأة في الليل، كأنه أخذه في بيته.

وفي التنزيل العزيز: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا﴾ [النساء:81]

وأصل البيت: مأوى الإنسان والمآب ومجمع الشمل بالليل، لأن الغالب في أهل البيت أنهم يجتمعون في الليل في بيتهم الذي يسكنونه.

ويقال لبيت الشعر بيتًا، على التشبيه لأنه مَجمع الألفاظ والمعاني، على شروط مخصوصة.

وجمع البيت: أبيات وبيوت. لكن البيوت بالمسكن أخص، والأبيات بالشِّعر.

ثم اشتهر القول للمسكن البيت، من غير اعتبار الليل فيه، كما قال عز وجل في ثمود: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ [النمل:52]، وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:87]، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور:27].

ويقع اسم البيت على المتَّخذ من حجر وصوف ووبر. ويعبَّر عن مكان الشيء بأنه بيته.

ويقال بات الرجل يبيت إذا تزوج. ويقال: بنى فلان على امرأته بيتًا، إذا أعرس بها وأدخلها بيتًا مضروبًا، وقد نقل إليه ما يحتاجون إليه من آلة وفراش وغيره.

وبيت الرجل: امرأته وعياله وشرفه.

وبيت الله: المسجد، تعظيمًا له ولمن يدخله.

وإذا قيل: أهل البيت، انصرف في الجاهلية إلى سكانه من قريش خاصة. وبعد الإسلام إذا قيل: أهل البيت، فالمراد آل رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد يُطلَق البيت على أهله وسكانه، كقوله عز وجل في قوم لوط صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ^ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ^﴾ [الذاريات:36]. سماهم بيتًا كتسمية نازل القرية قرية.([13])

انظر الحلقة الثانية هنا

([2]) النسائي في الكبرى:5/17، رقم:8031، ابن ماجه: كتاب افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه:1/78، رقم:215، قال البوصيري في مصباح الزجاجة:1/72، رقم:77: إسناده صحيح، رجاله موثقون.

([4]) فيض القدير:2/628

([5]) المرجع السابق: نفس الموضع.

([6]) معجم مقاييس اللغة:1/150، مفردات الراغب:1/55، مختار الصحاح:41، لسان العرب:11/28، القاموس المحيط:5/159، تاج العروس:28/40، المعجم الوسيط:1/31

([9]) الروض الأنف:1/152

([10]) أحمد:1/200، رقم:1725، قال في مجمع الزوائد:3/246، رقم:4485: رجال أحمد ثقات. وفي استجلاب ارتقاء الغرف:2/515: إسناده قوي.

([11]) جلاء الأفهام:203، و:209، فتح الباري:11/160، القول البديع للسخاوي:121

([12]) معجم مقاييس اللغة:1/150، مفردات الراغب:1/57، مختار الصحاح:43، لسان العرب:11/32، القاموس المحيط:5/159، تاج العروس:28/31، المعجم الوسيط:1/33، وانظر: جلاء الأفهام:203، فتح الباري:11/160، القول البديع:121، فيض القدير:1/17

([13]) معجم مقاييس اللغة:1/324، مفردات الراغب:1/125، مختار الصحاح:79، لسان العرب:2/14، القاموس المحيط:1/384، تاج العروس:4/456، المعجم الوسيط:1/78

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين