أهل البيت في الحديث النبوي(5) التعريف الاصطلاحي

المبحث الثاني التعريف الاصطلاحي

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: استعراض أقوال العلماء في المراد بأهل البيت رضي الله عهنما

المطلب الثاني: استعراض الأدلة

المطلب الثالث: مناقشة الأدلة

المطلب الرابع: بيان المعنى الراجح لأهل البيت

المبحث الثاني التعريف الاصطلاحي

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:33] فهو سبحانه يثني هذا الثناء العظيم على أهل بيت نبيِّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بأنه سبحانه يريد أن يذهب عنهم الرجس ويطهرّهم تطهيرًا. مع أنه ما ينبغي أن يغيب عن بالنا اليوم، كما لم يغب عن بال أهل البيت قديمًا وحديثًا، ما في هذه الآيات من تكليف، بل إنّ هذا التشريف العظيم إنما كان بسبب المشقَّة الكبيرة في التكليف. ولذلك كان أهل البيت أولى الناس وأحرصهم على تطبيق الأوامر والتوجيهات الإلهية والتقيد بها.

وفي نصوص شرعية أخرى من الآيات والأحاديث ورد ذكر أهل البيت، وآل البيت، وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والقربى، وأمثال ذلك.

فما هو المراد بأهل البيت؟

وهل كل هذه الألقاب هي أسماء لمسمى واحد؟

هذا ما نحاول بإذن الله تعالى أن نبحث فيه ونجيب عنه في هذا البحث، فأقول وبالله التوفيق: قسمت هذا المبحث إلى أربعة مطالب:

المطلب الأول: أستعرض فيه أقوال العلماء ومذاهبهم في المراد بأهل البيت.

والمطلب الثاني: أذكر فيه أدلة كل قول ووجه الاستدلال به.

والمطلب الثالث: أناقش فيه الأدلة من ناحية الثبوت ووجه الاستدلال بها.

وفي المطلب الرابع: أبيِّن الراجح من الأقوال وأدلة هذا الترجيح.

وسأعرض في هذا البحث كل ما وصلت إليه مما ذكروه من الأدلة بكل تجرد وإنصاف – إن شاء الله - مبيِّنًا وجه استدلال أصحابها بها، وأناقشها جهد استطاعتي، وحسب ما وصلت إليه من أقوال وردود العلماء، وأميِّز القوي والضعيف، والمقبول والمردود منها، إنْ من جهة الثبوت، وإنْ من جهة المعنى والاستدلال. واللهَ سبحانه أسأل العون والسداد والتوفيق، آمين.

المطلب الأول استعراض أقوال العلماء في المراد بأهل البيت

اتفق جميع المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو من أهل البيت رأسهم وسيدهم.

ثم اختلفوا في دخول غيره صلى الله عليه وآله وسلم في مسمَّى أهل البيت، وحدود ذلك على أقوال، أهمها:

القول الأول: جميع المتقين من أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ممَّن اتبع هديه، وسار على منهاجه في الحياة:

وهو منقول عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، ورجَّحه النووي في شرحه على صحيح مسلم، وقيَّده القاضي حسين بالأتقياء.([6])

وأود التنبيه على أن المنقول عن أصحاب هذا الرأي إنما هو تفسير الآل الوارد في حديث تعليم كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا بيان المراد بأهل البيت كمفهوم ومصطلح.

القول الثاني: أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خاصة دون غيرهن من الناس:

وهو منقول عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وعكرمة مولى ابن عباس([7])، وعروة بن الزبير، ومقاتل بن سليمان، وعطاء بن السائب.([11])

فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب:33] قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة.

وقال عكرمة: مَن شاء باهلتُه([12]) أنَّها نزلتْ في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي رواية أخرى عن عكرمة قال: ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وأخرج ابن سعد عن عروة: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب:33] قال: يعني أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزلتْ في بيت عائشة رضي الله عنها.([13])

وروي هذا القول عن سعيد بن جبير والكلبي.([16])

وأحبُّ أن أنبه هنا أن ما يُفهَم من ظاهر المنقول عن هؤلاء أن الأزواج هن سبب النزول فقط، دون الجزم بحصر أهل البيت فيهنَّ.

ومعلوم أن خصوص سبب النزول لا يخصص اللفظ العام للنص.

القول الثالث: أهل الكساء خاصة، وهم: علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين رضي الله عهنما:

وهو منقول عن: أبي سعيد الخدري وأم سلمة رضي الله عنهما.

مع ملاحظة أن الوارد عنهما أنهما رُويا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلَّل أصحاب الكساء بكساء ثمَّ تلا هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب:33]، وقالا وفيهم نزلت. لا أنهم يرون أن أهل البيت محصورون في أصحاب الكساء فقط. وبدون ذكر إسناد إليهم يوضح حقيقة رأيهم هم.([19]).

وروي أيضًا عن مجاهد وقتادة والكلبي، والطحاوي في مشكل الآثار([24])، وعامة الشيعة الإمامية.([25])

القول الرابع: أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذريته خاصة:

نقله ابن عبد البر([26]) وابن القيم([27])والمباركفوري([28]) عن بعض العلماء، بدون بيانهم.([29])

القول الخامس: مَن حُرِم الصدقة([30]):

وهو منقول عن زيد بن أرقم رضي الله عنه والجمهور من أهل السنة والجماعة.([31])

وأيَّد صاحبُ كلِّ قول من هذه الأقوال ما ذهب إليه بأدلة من الكتاب والسنة واللغة. كما سأفصِّل القول في ذلك في المطلب الثاني.

ولم أعثر فيما رجعت إليه حتى الآن من مصادر -مع شدة البحث- على أدلة تثبت أو تنفي صحة نسبة أي من هذه الأقوال إلى قائليها من الصحابة والتابعين بسند صحيح، إلا ما نُسب إليهم في كتب مَن بعدهم.

الحلقة السابقة هـــنا

([1]) السنن الكبرى للبيهقي:2/152، بدون ذكر سند الرواية عنه.

([6]) جلاء الأفهام:211، فتح الباري:11/160، القول البديع:123، عون المعبود:3/186 نقلًا عن ابن العربي. شرح مسلم للنووي:4/124. ورجّح النووي في روضة الطالبين:5/163 أن الأصح أنهم مَن حرمتْ عليهم الصدقة. الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:261

([11]) الطبري:20/267، الحاوي الكبير:4/401، البغوي:6/350، زاد المسير:6/381، القرطبي:14/182، الخازن:5/259، البحر المحيط:7/224، ابن كثير:6/410، اللباب:15/548، الدر المنثور:6/601، فتح القدير:4/278، تحفة الأحوذي:9/48

ولم أعثر فيما رجعت إليه على سند يصرح بحقيقة مذهبهم في هذه المسألة.

([12]) البهلة، تضم باؤها وتفتح: وهي الَّلعنة. المبُاهَلة: مفاعلة من البهلة، وهي أن يَجْتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا لعْنة (بهلة) اللّه على الظالم منَّا. الفائق في غريب الحديث:1/140، النهاية في غريب الحديث:1/188

([13]) الطبري:20/267، ابن كثير:6/410، الدر المنثور:6/601، فتح القدير للشوكاني:4/278

([16]) فتح القدير:4/395

([19]) قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الآية على خصوص أهل الكساء، رواه أنس بن مالك وعائشة وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأبو الحمراء، كما سيرد في هذا البحث. فذهب بعضهم إلى أن ذلك مذهبهم في المراد بأهل البيت.

([22]) الطبري:20/263، الحاوي الكبير:4/401، البغوي:6/350، زاد المسير:6/381، القرطبي:14/182، الخازن:5/259، البحر المحيط:7/224، ابن كثير:6/414، اللباب في علوم الكتاب:15/548، الدر المنثور:6/603، فتح القدير:4/278، الألوسي:22/15، تحفة الأحوذي:9/48. وفي فتح القدير:4/278، وتحفة الأحوذي:9/48: رواية عن الكلبي أنهم الأزواج خاصة. وانظر: جلاء الأفهام:210.

([24]) شرح مشكل الآثار:2/247

([25]) مجمع البيان في تفسير القرآن:8/155، التبيان في تفسير القرآن:8/338

([29]) التمهيد:17/302، جلاء الأفهام:210، تحفة الأحوذي:9/48، الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:260

([30]) سيأتي بيانهم تفصيلًا حين الكلام على الأحكام الخاصة بأهل البيت ص:279 من هذا البحث.

([31]) الحاوي الكبير:4/401، البغوي:6/350، القرطبي:14/182، الخازن:5/259، البحر المحيط:7/224، القول البديع:122، اللباب في علوم الكتاب:15/548، فتح القدير:4/278، الألوسي:22/14، الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:258

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين