أهالي غزة ألف يوم حصار...اليوم بألف عام

 
أهالي غزة: ألف يوم حصار.. اليوم بألف عام


متابعة: شيماء مصطفى   

الأمان الثقافي
على أضواءٍ خافتة تهدهد الغزاويّة «أم يامن» طفلها وتلقمه آخر جرعات الحليب الباقية في المنزل، راجية من الشموع ألا يخفت نورها حتى يغرق الصغير في سباتٍ عميق.
بحسرة تقول أم يامن لـ «إسلام أون لاين»: «حياتنا جحيم لم نعد نستطيع تحملها، الحصار أرهقنا وقصم ظهورنا، فكل تفاصيل حياتي تغيرت، وملابس أطفالي أضطر لغسلها على يديّ، والطعام أطبخه على الحطب، وأولادي يدرسون على الشموع».
وعن كيفية مرور الـ «ألف يوم» من الحصار على بيتها الصغير تضيف ربة المنزل: «الليلة الواحدة كانت بألف عام، انقطع النور وغاب بالكامل، وتشبعنا بكميات هائلة من الوجع والقهر», واستدركت بألم: «لا أظن أننا قادرون على التحمل أكثر، لقد شاخت قلوبنا».
ويشهد قطاع غزة في 9/3/2010 مرور ألف يوم على حصارٍ خانق فرضته إسرائيل عقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على القطاع في منتصف حزيران 2007, حيث أغلقت جميع المعابر الحدودية، ومنعت دخول الوقود والغاز والسلع الغذائية، والصيد في عمق البحر.
مكانك سر
ومتكئاً على حائط آيل للسقوط أمام كومة من ألعاب الأطفال، منتظراً مشترياً قد لا يأتي، يقول الشاب يوسف راضي عن إغلاق غزة للألفية الأولى من الحصار: «مللنا من لغة الحصار، لقد تعبنا منه ويئسنا من احتمال فكه عن مدينتنا، فلا عمل يطعمنا لقمة كريمة، ولا كهرباء ننعم بضوئها، وحتى وجود غاز الطهي في المنزل بات في خانة الأحلام».
أما الطالبة «ريما سلامة» فتقول بنبرة لا تخلو من التشاؤم: «هذه الألف الأولى وستلحقها آلاف غيرها.. ولن تتسع دفاترنا الصغيرة للأرقام الكبيرة القادمة، فالحصار بات أحد أفراد أسرنا يتنفس ويأكل ويشرب معنا ولا يفارقنا للحظة واحدة».
وتتابع بسخرية لاذعة: «إن رفعوا عنا الحصار أعتقد أننا سنشتاق له وسنفتقده، فهو جزء منا، وربما اشتعل الشيب في رؤوسنا ونحن مكانك سر، ندعو الله أن يفك حصارنا».
وبحزنٍ كسا ملامح وجهه يصف الموظف «محمود» الوضع الذي تعيشه غزة قائلاً: «مدينتنا الصغيرة تحملت ما لم تطقه عواصم عربية عريقة، وعاشت تفاصيل الألف يوم بثبات دون أن تتزحزح قيد أنملة على الرغم من الشلل الذي أصاب جميع شؤونها الصغيرة».
ويستدرك بقوة: «غزة قادرة على تحمل ألفيّة ثانية وثالثة ورابعة، وأهلها استطاعوا التعايش والتأقلم مع أوضاعهم الصعبة.. فالله معنا».
لا مزيد لدينا
ومع ازدياد لسعات الحصار غرقت المدينة في ظلام دامس، وعاد الأهالي إلى العصور الحجرية بدءاً بالحطب والأفران الطينية وانتهاء ببوابير الكاز والشموع, ليستطيعوا البقاء على قيد الحياة.
«أبو مازن مرتجى» يصف تلك الأيام بالمُرعبة قائلاً: «لا كهرباء.. لا ماء.. لا دواء.. لا غاز للطهي.. وحتى حليب الأطفال فقدناه.. كل فواتير الحياة وقفنا عاجزين عن تسديدها.. فالحصار صفعنا على وجوهنا بقسوة.. ولكن بالرغم من ذلك استطعنا التعايش معه وتأقلمنا مع الألم والمرض والجوع».
وتتساءل الموظفة «بشرى حمد» عن الشعرة التي ستقصم ظهر البعير، فالمواطن ليس لديه القدرة الخارقة ليتحمل أكثر, والأوضاع المعيشية تزداد حدة وصعوبة، وإذا تحمل اليوم فلن يتحمل غداً».
وأضافت: «صحيح تحملنا الألف يوم بطولها وعرضها وصراخنا وتألمنا.. ولكن لا مزيد من الآلاف في قواميسنا فلن نطيق أكثر، نحن في النهاية بشر وسننهار في أية لحظة».
نفد صبرنا
وبوجهٍ واجم جلس التاجر ماجد الشرفا على باب محله, اقتربت منه «إسلام أون لاين», وعن الألف يوم من الحصار سألته, وبغضب اشتعل على وجهه يجيب: «صبرنا نفد، وقوانا انهارت، ولن نتحمل أكثر، فالحياة لا معنى لها وسياط الحصار ضربت كل شيء».
وبرزت على السطح ظاهرة الأنفاق على طول الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي المصرية والفلسطينية بعد اشتداد وطأة الحصار, فكانت بمثابة طوق النجاة والشريان الوحيد لقرابة 1.6 مليون شخص هم عدد سكان القطاع المحاصر, وأهدت المدينةَ الموجوعةَ الكثير من أسباب الحياة.
وبعد أن طوت غزة الألفية الأولى لحصارٍ قتلها ببطء, تبقى الاستفهامات تتأرجح في الأذهان للأشهر القليلة القادمة: «هل غزة أبعد مما يكون عن فك الحاصر؟ ويا ترى كيف سيكون نهارها الألفية الثانية ومساؤها؟».


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين