أن يقول ربي الله...

                    
د.
أحمد الفاضل
 
   لماذا الحقد والغل على من يقول ربي الله..هو لا يُكره غيره عليها إذ لا إكراه في الدين..فلم يُكرهونه على ما يُريدون..؟! لم الجور والظلم؟!..ليكن لكم ما تعتقدون وليكن لغيركم من الخلق ما يؤمنون به ويعتقدون..
 
   لكن هذا تاريخ الظالمين أعداء الحق أعداء إنسانية الإنسان في كل دهر وفي كل مكان..فهذا سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام يدعو بشفقة ورحمة الناس ليقولوا ربي الله..ولا يقهر أحداً عليها فيستفز فرعون وطواغيته من حوله فيأتمرون لقتله فيصرخ من عرف معنى ربي الله وذاق لذتها قائلاً:(أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم..)؟!
 
   وهل تظنون أن فرعون هلك وانتهى إلى غير رجعة..؟ لا..إن سلسلة الإجرام الفرعونية باقية كما أن سلسلة الحق الإيمانية باقية..ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي جهل:إنه فرعون هذه الأمة..؟!
 
   لقد شق على أبي جهل اللعين أن يرى بلالاً وعماراً وياسراً وسمية أم عمار وغيرهم أن يقولوا ربنا الله فنكّل بهم وعذبهم وهم صابرون يقولون ربنا الله..حتى ارتقت سمية شهيدة في سبيل الله..وأما بلال فقد هانت عليه نفسه في الله فكان يغيظ المشركين أتباع فرعون بــــــــــ أحد أحد هو يغني بها ويطرب بترديدها وهم يغتاظون منها..لقد فرح بلال من جهتين فرح بأحد أحد ومتعة تكرارها وفرح بإغاظة المشركين..وكبتهم..!!
 
   وهل تظنون أن فرعون الأمة انتهى بأبي جهل الفتاك؟؟! لا إن فرعوننا_والإضافة هنا لا للتشريف بل للتعريف!_أشد إجراماً وأعظم حقداً وأكثر فتكاً من أبي جهل الغابر الهالك..وإن ابتغيتم الدليل فهلموا لنحسب..كم رجلاً قتل أبو جهل من المسلمين؟ في بدر قُتل من المسلمين نحو من ثلاثة عشر,ومن قبل قُتل أفراد معدودون..فلعله لم يقتل أكثر من خمسة رجال..! ولكن احسبوا عدد الذين قتلهم فرعوننا والفرعون أبوه..هل حسبتم وعرفتم..؟! لقد أيقنتم بما أقول...!
 
   و والله إن من شهدائنا من صبر وأغاظ وفرح أكثر من بلال في إغاظته المشركين بــــــ ربي الله..وإن ننس فلن ننسى ذلكم الشاب المؤمن الذي حُفر له في الأرض ثم قيد وألقي في الحفرة وصار المجرمون الذين يعظمهم نعال النظام في خطبهم..صاروا يُهيلون عليه التراب شيئاً فشيئاً وهو يقول:ربي الله..ربي الله..وهم يريدون منه أن يمجد المجرم ويعظمه..ولكن هيهات هيهات..أن تُذلوا وتُكرهوا من هام بــــربي الله وبعاشق رسول الله..صار يرددها وهم يحثون عليه التراب ليُسكتوه وليقول غيرها لكن أبى عليه لسانه وامتنع عليه قلبه أن يطيعهم فيما يريدون..وكأنه يقول لهم:فليس لساني وقلبي لغير ربي يصلح..لقد طُبع على ذلك..ربي الله ربي الله..حتى غاب صوته في الأرض..غير أن صوته في السماء لم يغب بل ظل مسموعاً تتغنى به الملائكة وتهتز له العوالم..ربي الله ربي الله..لقد فرحت به الأرض التي شرفت باحتضانه وفخرت على غيرها من البقاع,ففيها من ضحى من أجل لا إله إلا الله..وبكت أيضاً أن غاب عن وجهها من كان يزينها ويجملها..فهؤلاء زينة الأرض وجمالها بهم تفرح وبهم تشدو..هذه الأرض تبكي...وعليها أم الشهيد تبكي..أم الشهيد تقطع قلبها لرؤية فلذة كبدها يدفن ويهال عليه التراب..تخاطبه بدموعها وقلبه وجوارحها وتناديه ليتني كنت مكانك لتبقى...ليتني أفتديك لتحيا...ليتني أضمك في قبرك لأرضى وترضى...ليتني أشمك شمة وبعدها أظمى...لم تعرف مكان قبره حيث عمّى عليه الطغاة لكنها علقت صورته..وعكفت أمامها..لقد اتخذت من الصورة قبراً تقف أمامه كل يوم تخاطبه بهذه الكلمات..وتذرف عليه الدموع السخيات..وهو ينظر إليها يخاطبها بعينيه..أمي..أمي..رجوت أن أبقى لتفرحي بضمي وشمي ولتسعدي يوم عرسي..ولكن في سبيل الله كل شيء يهون..ولو رأيتني الآن لفرحت لي..أنا شهيد:ربي الله..أنا سعيد:ربي الله..أنا أنيس:ربي الله..أنا هائم:ربي الله..ومازلت أغني بها وأنا في مستقري..وقد أكرمني من قلتها من أجله وفي جلاله..فحولي الملائكة يحتفون بي وقد رأيت رسول الله وصحبه فأنا بينهم..لقد التقيت الأحبة محمداً وصحبه...وإني لأسمع قارئاً من الملائكة يتلو عليّ آيات الله..ما سمعت أجمل من صوته لو سمعه أهل الأرض لماتوا طرباً من عذوبته وروعته..يقرأ (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون..)...!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين