أنتم أكبر من أن تخط لكم ثغور يا أهل فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أهل فلسطين النبلاء الأكارم! اغتصبت الأنجاس المناكيد أراضيكم، واحتلوا دياركم، وسرقوا أمتعتكم، وابتزوا أموالكم، ودمروا بلادكم، وأبادوا مزارعكم وحقولكم، وأحرقوا الأشجار والنبات، وأهلكوا الحرث والنسل إهلاكا.

يا أيها المتبوؤون عروش المجد الأماثل! اعتدت الطغاة الأوغاد على أعراضكم، وانتهكوا حرماتكم، وقتلوا أولادكم، ومزقوا أجسادكم، وشردوكم تشريدا.

يا أيها المؤمنون بالله المسلمون! منعكم الظلمة المستكبرون من أن تذكروا اسم الله في مساجدكم، وداسوا كرامة الأقصى، وأساؤوا إلى قبة الصخرة، ولوثوا المسجد القبلي، ووسخوا المصلى المرواني، ودنسوا المقدسات، وعاثوا في أرض الله فسادا.

إنهم حصروكم في في الزوايا والتكايا، وسدوا عليكم المداخل والمخارج، وأمطروا عليكم قذائف النيران، وضيقوا عليكم الأرض بما رحبت، فلا تهمنكم فعلة المجرمين الأخساء، إن الأرض أرضكم وستعود إليكم، وسيفرون منها فرارا، تاركين لكم قصورا وديارا، وحدائق وأنهارا، وكنوزا ومقاما كريما، وقد وعدكم ربكم جنات عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وأنتم الوارثون، ترثون جنان الفردوس، أنتم فيها خالدون، إذا رأيتم ثَمَّ رأيتم نعيما وملكا كبيرا.

أنتم الشجعان الأبطال، ذوو أنفة وغيرة، وأصحاب حمية وبسالة، أفعالكم مباركة، وتصرفاتكم ميمونة، إن رجالكم وجوههم عند المشاهد غراء لامعة، وإن نساءكم طهارى نقية، وإن أولادكم قد أوتوا من الله رشدا، وقلوبا تأبى الخوف إباء، لا يعرفون ضعفا ولا انكسارا، ولا خنوعا ولا استسلاما.

إن تضحياتكم لا تقدر بثمن، فقد بذلتم نفوسكم في سبيل ربكم، إنكم لا ترون القتل سبة إذا ما رأته اليهود وإسرائيل، تحبون الموت وهم يكرهونه، تأبون أن تموتوا على الفرش موت العجائز، نعمت الخصال خصالكم، تلقون الكرائه والشدائد بوجوه متهللة، وثغور باسمة، تقطر دماؤكم من صدوركم، فتشربها أرضكم لتزداد طهرا على طهر وصفاء على صفاء.

إن صمودكم قد سطر تاريخا أشبه بالمعجزات، فحزمكم نجم في دجى الليل ثاقب، وعزمكم سيف في غمرات الموت عاضب، لا تكترثون بالحساد المحتقدين، إن أسلحتهم لن تهزم معنوياتكم، ولن تقف في وجه طموحاتكم، ولا يغرنكم تقلب الذين كفروا وفسقوا في البلاد، فما هم فيه متاع زائل، وسبب فان، وما أنتم فيه فشرف خالد، وسؤدد باق.

واعلموا أن القيم التي تتحلون بها هي أسمى القيم الإنسانية، وأن المثل التي تزدانون بها هي أرفع المثل المقدسة، قد أسستم صروحا للمعالي، وشيدتم أركانا للشرف لا ترام، وبنيتم المكارم التي لا تبلى جدتها، يثني عليكم الشرفاء في مشارق الأرض ومغاربها، تهللون فيهللون، وتكبِّرون فيكبِّرون، ويموج البر والبحر بصداكم، وتؤوِّب معكم الجبال والآكام تأويبا.

ظن الأراذل الأنغال أنهم استلبوا منكم الأراضي، ونقصوا من عددكم، واستولوا على عقولكم، وبئسما ظنوا، إنكم تزيدون على عد الحصى، وهل ينقص من خصه الله ببركته، وما قل من كانت بقاياه مثلكم، شباب تسامى للعلا وكهول، إن حلومكم أثقل من وزن الجبال، وأعداؤكم لو وزنت حلومهم لما وزنت ذبابا، أنتم صقور السماء أجل من تصاد، وأنتم عمار بلاد الله، أكبر من أن ترسم لكم حدود أو تخط لكم ثغور، أنى تسعكم أرض فلسطين أوالشأمات، أو العراقان وتهامة والنجود، إن بلاد العرب لكم، وإن لكم فارس والهند، ولكم بخارى وسمرقند، ولكم الصين والمغرب، ولكم الشرق والغرب، إذا سرتم سار الشباب المسلمون خلفكم، وإن أومأتم إلى الفتيان المؤمنين وقفوا، وإذا غضبتم ثار محبو العدل وموالو القسط غضابا.

إن أعداءكم أذناب زنام، وجبناء لئام، فقولوا لهم: إن تنجسوا فلا ننجس معكم، وإن تلؤموا فنحن أبعد الورى عن اللؤم، وإن تشتموا سراتنا فما نحن بشتَّامين، ولكننا نأبى الظلم والظلام ونثأر برقيق الشفرتين مصمم، وتجهل أيدينا وتعف ألسنتنا، ونشتم بالأفعال لا بالكلام.

أنتم أبناء الجبابرة، وفروع للعمالقة فارعة، خافتكم بنو إسرائيل وجبنوا من أن يدخلوا في أرضكم وأنتم فيها، وقالوا: إن فيها قوما جبارين، وإنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها.

أنتم منتسبون إلى الأنبياء والمرسلين، أنتم أولى الناس بإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وأحق الخلق بإسماعيل وصالح وهود وسيد المرسلين وخاتم النبيين، عليهم صلوات الله والتسليم، آباؤكم الصحابة والتابعون، وعباد الله الصالحون، رضي الله عنهم أجمعين، أنتم أبناء خير الآباء وأعف الأمهات، أنتم إخوان أنبل الإخوان وأصفى الأخوات، فاستقيموا على جادتكم، واصبروا، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الثبات، إن كانت اليهود يستغيثون باللات والعزى، ومناة وسائر الطواغيت، فليتسغيثوا بمن شاؤوا، وأنتم فاستغيثوا بالله ربكم رب العالمين، إنه مولاكم ولا مولى لهم، وهو كاليكم وحاميكم، وهو خير الناصرين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين