أنا غير مقتنع !

في حواراتنا الفكرية كثيراً ما نسمع من يرد على طروحاتنا قائلاً : أنا غير مقتنع ! وهذا يرجع إما لضعف الحجج التي نقدمها له ، أو لأننا لا نحسن مهارات الإقناع ، وهو الأغلب ، ونعني بالإقناع تغيير بعض ما يؤمن به الآخرون وجعلهم يعتقدون بما نعتقد به نحن ، وتحقيق هذا الهدف يحتاج إلى مهارات خاصة في التواصل ، فليس من السهل تغيير قناعات الآخرين ، لاسيما منها ما يتعلق بالمعتقدات ، وبخاصة منها المعتقدات الدينية .

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفهوم الإقناع قد يخالطه بعض المفاهيم التي تسيء له ، مثل الخداع والتدليس والكذب واللف والدروان ، فنحن لسنا بحاجة لمثل هذه الأساليب الملتوية من أجل إقناع الآخرين بأفكارنا ، بل الأجدى أن نعرض الحقائق التي نؤمن بها عرضاً سهلاً مبسطاً ، مع أدلتها العلمية ، وبعض الشواهد التي تؤيدها ، والحرص على الحياد والموضوعية في عرضنا ، فهذه العاناصر وهذا يقوي طرحنا ، ويكسبنا ثقة الطرف المحاور .

وعلينا أن نتجنب الظهور بمظهر من يفرض أفكاره على الطرف الآخرين فرضاً ، لأن ذلك قد يدفعهم للانسحاب من الحوار ، ورفض طروحاتنا جملة وتفصيلاً ، وحتى لو ظهر لنا أنهم اقتنعوا بطروحاتنا فالغالب أنهم يفعلون ذلك ظاهراً فقط لكي يتخلصوا من الموقف ، دون أن يكونوا قد اقتنعوا بالفعل بما طرحناه !

ومن المهم أن نتدرج بالحوار نحو الهدف الذي نريد ، شيئاً فشيئاً ، وكلما شعرنا أن الآخرين اقتربوا مما نطرحه انتقلنا بهم إلى الخطوة التالية ، مع الحرص على مخاطبتهم بكل احترام ، وتجنب تسفيه أفكارهم ، حتى وإن كانوا صغار السن ، أو كانوا أقل منا في الدرجة العلمية ، أو حتى أميين ، فكم من أميّ يمتاز بعقلية فذة ورأي حكيم يستفاد منه .

ومع كل ما قدمناه ينبغي أن نكون على قناعة بأن عملية الإقناع ليست عملية سهلة ، فلا يكفي أن تقول الحق لكي يقتنع الطرف الآخر بما تطرحه ، فإن للإقناع وسائل واستراتيجيات ومتطلبات لابد من توفيرها لاكتساب المهارة التي تجعلنا قادرين على الإقناع الفعلي ، ونوجز ذلك في الفقرات الآتية :

  • قبل بدء الحوار اجمع ما تستطيع جمعه من معلومات عن الطرف الآخر ، لكي تكون لديك فكرة كافية عن طريقة تفكيره ، مستواه العلمي ، توجهاته الفكرية ، فهذا يساعدك بوضع خطة مناسبة للتأثير فيه وتغيير قناعاته .

  • اختر المكان والتوقيت المناسبين للحوار ، وعليك أن تكون في أحسن حالاتك النفسية عند بدء الحوار ، أما الطرف الآخر فلعل الأجدى أن تبدأ معه الحوار بعد طلب منه لأنه يكون في هذه الحالة أكثر استعداداً لسماعك ، وتقبل الأفكار التي تعرضها .

  • تذكر أن الإقناع يكتسب قوته مما تعرضه من حقائق مدعمة بالأدلة ، وكلما كانت الأدلة التي تستشهد بها قوية كنت أقدر على الإقناع ، ومن ذلك مثلاً الاستشهاد بآراء الخبراء ، وعرض الإحصائيات ، ونتائج البحوث المتعلقة بموضوع الحوار ، وغير ذلك مما يقوي طروحاتك ويجعل الخصم غير قادر على دحضها .

  • حدد الهدف الذي تريد تحقيقه ، واحرص أن يكون هدفاً واقعياً تتقبله العقول السليمة ، وإلا فلا طائل من الحوار ، ولا أمل في إقناع الآخر بأهداف أو أفكار معلقة في الهواء .

  • حدد الفكرة التي تريد مناقشتها مع الطرف الآخر ، وتأكد أنكما متفقان على معناها ، فكثيراً ما تختلط المصطلحات والمفاهيم ويكون الحوار بين الطرفين أشبه بحوار طرشان ، كما يقول المثل .

  • تجنب الخداع والكذب والتدليس لأنها وسائل سريعاً ما ينكشف للطرف الآخر فتجعله يرفض كل ما عرضته عليه وحاولت إقناعه به ، والغالب أن يدفعه ذلك للتمسك بأفكاره التي تحاول تغييرها مهما كانت خاطئة أو مشوهة أو مضللة .

  • تجنب التعقيد في طروحاتك ، واعرضها ببساطة ووضوح ، وبعبارات سهلة تراعي فيها المستوى الفكري للطرف الآخر ( خاطبوا الناس على قدر عقولهم ) .

  • ركز أفكارك في إطار الموضوع الذي تناقشه مع الطرف الآخر ، وكن حاضر البديهة ، واثقاً من نفسك ، غير متردد في طرح ما تريد إقناع الطرف الآخر به .

  • اصغ للطرف الآخر ، دعه يطرح كل ما عنده ، تجنب تسفيه أفكاره ، أظهر له احترامك لكل ما يطرحه مهما رأيته غريباً أو شاذاً أو خاطئاً .

  • لا تقاطع محاورك إلا إذا خرج عن موضوع النقاش الذي اتفقتما عليه ، أو تجاوز الزمن المتفق عليه لطرح كل منكما أفكاره .

  • ترفق بمن تحاوره ( فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ) ولا تحاول الضغط عليه أو استغلال ضعف حجته بفرض أفكارك عليه ، وتدرج معه شيئاً فشيئاً حتى تصل به إلى الغاية التي تريد .

  • احرص على إشعار الطرف الآخر بأن ما تعرضه من أفكار هو لصالحه .

  • رتب أفكارك بشكل جيد ، وركز على الفكرة الرئيسية التي تود إقناع الآخر بها ، وابدأ بالأهم الذي تمتلك عليه الدليل القوي .

  • قد ينفع مع الطرف الآخر تحريك مشاعره وعواطفه لكسب المزيد من تأييده لطروحاتك ، ولكن تجنب التهويل فقد يقضي على حجتك في مهدها .

  • تذكر أن إيراد بعض القصص والحكايات والأمثلة يمكن أن يساهم كثيراً في إقناع الطرف الآخر .

وبعد عزيز القارئ .. هل اقتنعت بما عرضته عليك ؟ أرجو ذلك .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين