أمنيات..وتضحيات ..فوق السحاب !!

   الناس في أمنياتهم فئات عدة،فمنهم من يتمنى أن يكون ذا مال وفير،وآخر يحلم بمكانة وسلطان،وثالث يأمُل بمعالي الأمور كتحصيل العلم ومكارم الأخلاق ..ورابع يحن شوقاً لخالقه سبحانه وتعالى..وهذه أعز الأمنيات وأغلاها ..
 
   فإذا رُزقتَ خليقة محمودة...فقد اصطفاك مقسِّم الأرزاق
 فالناس هذا حظه مال و ذا...علم وذاك مكارم الأخلاق
   والمال إن لم تدخره محصناً...بالعلم كان نهاية الإملاق
   والعلم إن لم تكتنفه شمائل...تُعليه كان مطية الإخفاق
 
   وقد قالوا في المثل:المرء حيث يضع نفسه..فأماني الكبار كبيرة وأماني الصغار صغيرة ..
   وإذا كانت النفوس كباراً....تعبت في مرادها الأجسامُ
وثورة العجائب السورية أبرزت للعالم نفوساً كباراً طلبت أماني كباراً ..
فهذا مجاهد يصاب فتضمد جراحاته ويبقى في مربض الثوار حتى يستعيد عافيته،وهو في أثناء نقاهته لا يفتأ يحن للخروج مع الخارجين لملاقاة الكتائب الإجرامية،وكان يردد إني لأشم رائحة الجنة ..فقربوني منها..
 ومازال كذلك حتى طفح به الكيل وضاقت نفسه بالقعود فحمل سلاحه وحارب آلامه وطلب من قائده أن يأذن له بالخروج وقال إني لأشم رائحة الجنة فلا تمنعنّي منها..وكاد يختنق بالبكاء فما كان من قائد الكتيبة إلا أن أذن له..وقال له:أكون من ورائكم لعلكم تحتاجون إلي ..!
 و انطلقت كتيبة المجاهدين وكان أسعدهم هذا المجاهد المصاب وخاضوا غمار معركة شرسة ضارية وأُصيب القائد وكان تحت مرمى رصاص المجرمين فزحف من شم رائحة الجنة واشتاق إليها نحو قائده حتى ضمه وجعل من نفسه درعاً ومجناً له..وانهمر رصاص الحاقدين عليه فأصابته رصاصة في عنقه ففاضت روحه المشتاقة لمشوقها وهي راضية مرضية ونجا القائد بهذه التضحية وهذه الأمنية..صدق الله تعالى فصدقه الله فرحل إليه بإيمانه وصدقه..وحسبه ذلك:
 
 وفدت على الكريم بغير زاد...من الأعمال والقلب السليم
 وحمل الزاد أقبح كل شيء... إذا كان القدوم على الكريم
 
 
 ولم تقم للشهيد جنازة، بل حُمل فوضع بين يدي أمه وأهله ليملؤوا عيونهم من النظر إليه..فصبوا على جسده الطاهر دموعاً اختلطت بدمه..تعانقت دموع الحزن والحب بدماء الشهادة فنُظم منها عِقد فريد تمنت النجوم والسحاب والسماء أن يكون زينة لها..
 ورُفع الجسد الطاهر ليجاور من سبقوه وكانوا يستبشرون به من قبل فاستقبلوه فرحين به..فرحين بالجار..فرحين بأكرم جار..فرحين بنعمة الله عليهم...      


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين