أَمَا لِجِرَاحِ الشَّامِ مِنْ رَاقِ؟

الأستاذ أحمد إبراهيم

الشام خيرة الله من أرضه، وإليها يجتبي صفوته من خلقه، كما جاء في الحديث الشريف، هي الأرض المباركة، وهي أرض المحشر والمنشر، وفسطاط المسلمين.
طوبى للشام، طوبى لها؛ لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها، ولستُ هنا بِصَدَدِ سَرْدِ ما للشام من فضائل، فهي كثيرة معروفة، ولكن الشيء الذي أريد الكلام حوله، هو ما نزل اليوم بالشام من أحداثٍ جِسَامٍ نفتْ عن مُقلتي الكَرَى، وأوْدعتْ قلبي همّاً يؤرقني.
 
كيفَ نَومِي على الفِراشِ***** ولَمَّا تَشْمَلِ الشّامَ غَارةٌ شَعْواءُ
تُذْهِلُ الشَّيخَ عن بَنِيه وتُبْدِي** عن خِدامِ العَقِيلَةُ العَذْراءُ
 
وكلما حاولت تسلية الفؤاد بشيء ينسيه ما يجري، تطل برأسها تلك المشاهد، التي لا يملك أمامها المرء إلا أن يتألم.
 
رَمَتْنِي بسهم أَقْصَدَ القلبَ وانْثَنَتْ ...
وقد غادرتْ جُرْحاً به ونُدُوبَا
 
ولكني أتفاءل بقول القائل:
 
بِنَا مثلُ ما تَشْكُو فَصَبْراً لَعَلَّنا ... نرى فَرَجاً يَشْفي السَّقَامَ قَرِيبَا
 
وأنا في هذه الحال لا أستخدم لغة الشعراء، ولا لغة الأدباء في مجازاتها ومبالغاتها، بل أتكلم بما أحس به حقيقة حيال تلك الملمات، والوصف يقصر في أحيانٍ كثيرة عن بيان الواقع.
 
كأنَّ همومَ الناس في الأرض كُلِّها ...
عليَّ وقلبي بينهم قلبُ واحدِ
ولي شاهدَا عدلٍ سُهادٌ وعَبرةٌ ...
وكم مُدَّعٍ للحُبّ من غيرِ شاهدِ
 
منذ سنتين خلتا ودعّتُ أخاً عزيزاً سافر إلى الشام لأول مرة، وكتبتُ حينها أبياتاً قلتُ فيها:
 
تَنَشَّقْ عَبِيْرَ الشَّامِ عَنِّي صُوَيْحِبِي
وَأَبْلِغْ دِمَشْقاً عَنْ هَوَايَ الْعَجَائِبَا
أَجِلْ فِيْ رُبَاهَا نَاظِرَيْكَ وَمَرْجِهَا
فَمَا أَطْيَبَ الْوَادِيْ وَتِلْكَ الْمضَارِبَا
تَرَى لِلْمَعَالِي فِي رُبَاهَا مَدَارِساً
وَفِي كُلِّ سَاحٍ لِلْكُمَاةِ مَلَاعِبَا
إذَا مَا دَخَلْتَ الشَّامَ عَرِّجْ عَىَ الْلِّوَى
سَقَى اللهُ ذَاكَ الرَّبْعَ سُحْبًا سَوَاكِبَا
حَوَى الْعِلْمَ فِي جَنْبَيْهِ وَالمَجْدَ وَالْعُلَا
حَوَى أَنْجُماً زُهْراً وَشُهْبًا ثَوَاقِبَا
 
وأنا أقرأ هذه الأبيات يقفز إلى ذهني سؤال: هل تُراني كنت مبالغاً فيما قلت؟ أم أني لم أوفِ الشام حقها؟.
والجواب ـ أظنه موجودًاـ لدى كل من يعرف الشام وأهلها حقَّ المعرفة، وعندما أنظر إلى أهل الشام اليوم أتذكر قول الأول:
 
لله دَرُّهُمُ مِنْ فِتْيَةٍ صَبَروا ...
ما إن رأيتُ لهم في الناسِ أمثالا
 
وقول الآخَر:
 
ترى الموت تحت الخافقات أمامَهُمْ ...
إذا وردوا عَلُّوا الرماح وأَنهلوا
يجودون حتى يحسِبَ الناسُ أنهم ...
لجودِهِمُ نَذْرٌ عليهم يُحَلَّلُ
 
وأخيراً لا أملك إلا أن أردد هذه المناجاة:
 
فيا رَبِّ هَلْ إلاَّ بِكَ النَّصْرُ يُبْتَغَى ...
ويا ربّ هل إلاّ عَلَيْكَ المُعَوَّلُ
 
ففرج إلهي عن عبادك شدة، وعجل بفضلك كشف الكُرَب، فأنتَ على ما قد حلَّ بنا المستعانُ.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين