أماه هذي حالنا


 
رساله فتى ديراني إلى أمه الشهيدة

أُمَّاهُ عَفوك إن أتاكِ خطابي=عمَّا نُلاقي من أذىً، وعذابِ
لأُحسُّ طيفكِ سائلي عن حالِنا=وبما أخُطُّ إليكِ لستُ أُحابي
هل تذكرينَ رِفاقَ مدرستي  وكمْ=أهديتـُهم يا أمُّ من ألـعـابي!
ولكم أتونا يمرحونَ ببيتنا=وكم استباحوا البيت دون عِتابِ!
ولكم تبَاهوا في لذيذِ طعامِنا=ولديكِ كمْ شرِبوا ألذَّ شرابِ!
ولكم أتَتْكَ الأمَّهاتُ تزورُنا=ولقيتِهم يا أمُّ بالتَّرحـــابِ!
ولكم رأى الآباء ودّاً من أبي=فالجار عند أبي من الأنسابِ!
يتوافدون إلى أبي لوفائِه=ولما يرون به من الإعجابِ
كانوا لنا الأحباب، كُنَّا أهلَهم=ما كان أحلى عيشةَ الأحبابِ!
بالأمس كُنَّا الأهل نحيا أمننا=واليوم هم يا أم شر ذئابِ
ماذا أقول وألفُ ألفِ مُصيبة=يا أم جاءَتنا من الأصحابِ؟
آباؤهم قتلت أبي، وأخي، وكمْ=فتَكوا، وكمْ ذبحوا بلا أسبابِ!
لا حيَّ إلا وهو طعمةُ حقدهم=وبيوتنا صارت من الأسلابِ
ولكم من العلماء قد وئِدوا ضحىً=وبعلمِهم كانوا من الأقطابِ!
وملاعبُ الأطفالِ صارت مدفناً=لمئات من عَانوا أشدَّ عذابِ
ولكمْ من الجرحى تقطّع جِسمها=حقداً لتشفي غِلَّة الأنيابِ
لم يرحموا طفلاً، وكمْ مِن خُدَّج=ذُبِحتْ على مهلٍ بحدِّ حِرابِ
والزّاعمون لدى المساجدِ أمْنَهم=لم يظفروا منها بأيِّ إيابِ
هدمت عليهم ما نجا منها امرؤٌ=فالكلُّ عانى الحرقَ كالمحرابِ
ما غادروا منها جداراً سالماً=وكم استباحوا حرقَ خيرِ كتابِ
أُمَّاه يا أُمَّاه ماذا نابهم=لنرى بهم يا أم شر عقابِ!
لم يبْقَ يا أُمَّاه من سوريَّتي=أنَّى نظرتِ سوى عجيبِ خرابِ
أشجارُنا حُرِقتْ وسُمِّمَ ماؤنا=وحقولنا الغنّاءْ شِبهُ يبابِ
قتلوا البهائِم، والقِلاعُ تهدّمت=ما مثلُ هذا الفتكِ في الأحقابِ
ما قلتُ يا أُمَّاهُ إلا بعضُ ما=نلقاهُ من شبّيحةِ الإرهابِ
ويقولُ من ظلماً أتانا قائداً=إن الذي فعلوه جِدُّ صوابِ
وعجيب (إصلاحاتهِ) إفناؤُنا=ومن المُحالِ لديه أيُّ مَتابِ
والمنكرون عليه تأليهاتهِ=ليسوا بما جحدوه غيرَ ذبابِ
ويرى بنا الحشرات فاستئصالها=في دينه يجزيه خير ثوابِ
لا ذنب يا أمي لمن منا قضوا=إلا تأبي عيشةَ الأذنابِ
من ظل مِنَّا الحي فهو مشوّهٌ=أو هائمٌ  أعياهُ ألفُ مُصابِ
أُمَّاهُ يا أُمَّاهُ صِرتُ مُشرّداً=لم ألقَ عمَّا كانَ أي جوابِ
ويُقالُ يا أُمَّاهُ تلك عِصابةٌ=هي فوقَ أن تُدعى لأي عِتابِ
ما غيَّرتْ عبرَ الزَّمانِ عقيدةً=جحَدَت وجود المُنعمِ الوهابِ
واليومَ قد حلَّتْ بأكذبِ كاذبٍ=ما مثلهُ في الدّهرِ مِن كذابِ
فاقَ الطُّغاةَ ببطشهِ في أُمةٍ=خُصَّت من المولى بخيرِ كِتابِ
والكفرُ والإيمانُ ما اجتمعا معاً=هل يستوي السلبيُّ بالإيجابِ!
ولنحنُ نحنُ الوارِثون محمَّداً=والنّاشِرونَ عدالةَ الخطابِ
مهما بَغَوا فالله ناصرُ دينهِ=والخِزيُ عبرَ الدَّهرِ للأنصابِ
أُمَّاهُ عفوكِ لا يَرَعْكِ مُصابُنا=فهوَ البشيرُ بنصرِنا الغلاّبِ
شكراً لِطَيفكِ فهو مُؤنسُ وِحشَتي=فمقامهُ يا أُمُّ في أهدابي
أصغي لما بي فاسترحت، ولم أجدْ=إلاَّهُ يوماً مَن يَرِقُّ لِما بي
أُمَّاهُ أخشى أن تراكِ بمُقلتي=فتُعيدُ قَتلَكِ زُمرَةُ الأوشابِ
عذراً إليكِ إذا اختصرتُ خِطابي=فالخطبُ لا يكفيهِ ألفُ خطابِ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين