ألقوا السلام لتزيدوا الحب والوئام

 محمد رشيد العويد

 
كم هو جميل أن يكون أول عمل يقوم به الرجل بعد دخوله بيته : إلقاء السلام على زوجته فيقول لها : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والسلام تحية المسلمين ، وهي تحية جميـلة لأنها تحمل معاني جميلة : السلام والرحمة والبركة ، وليست أي رحمة وبركة ، إنما هي رحمة الله تعالى وبركات الله تعالى . حتى السلام هو اسم من أسماء الله عز وجل . قال ابن منظور في لسان العرب : والتسليم مشتق من السلام : اسم الله تعالى لسلامته من العيب والنقص . وقيل معناه أن الله مطلع عليكم فلا تغفلوا . وقيل : معناه اسم السلام عليكم إذ كان اسم الله تعالى يُذكر على الأعمال توقعاً لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتفاء عوارض الفساد عنه . وقيل : معناه سلمت مني فاجعلني أسلم منك .
هذه المعاني التي يحملها السلام الذي يبدأ به الرجل حين دخوله بيته تبعث التفاؤل ، وتبعد الآفات عن الزوجين وبيتهما ، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الرجل به عند دخوله بيته فقال لأنس رضي الله عنه ( يا بني ، إذا دخلت على أهلك فسلِّم ؛ يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك ) .
قال قتادة : إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليهم . وقالت زينب امرأة عبدالله بن مسعود : كان عبدالله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه .
لقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة إذا سلمنا ، البركة للزوج والزوجة معاً ، والبركة هي النماء والزيادة ، وهي السعادة كما قال الفراء ، وقال ابن عباس : البركة هي الكثرة في كل خير .
ألا يدفعنا هذا كله ، أيها المتزوجون ، إلى الحرص على إلقاء السلام على زوجاتنا وأولادنا حين دخولنا بيوتنا ؟
لعل بيان ثمرات المحافظة على إلقاء السلام إثر دخول البيت يزيد في حرصنا عليه :
1- السلام يجلب البركة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق .
2- السلام يشيع المحبة . قال صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم ) والزوجان أحوج الناس إلى هذه المحبة التي تزيد في تآلفهما وإبعاد النزاعات والشقاقات عنهما .
 
 
 
3- إلقاء السلام ينهي خصومة نشأت بين الزوجين إذا كان الزوج خرج من بيته بعد نزاع مع زوجته . فحين يسلم الرجل وترد عليه زوجته سلامه ينتهي أثر النزاع بينهما ، ويعود إليهما وفاقهما بعون الله .
 
ولكن لماذا يهمل بعض الأزواج إلقاء السلام على زوجاتهم بعد دخولهم بيوتهم ؟
* بعضهم يرى ما بينه وبين زوجته فوق التحية ، وأن السلام تكلف لا داعي له ، فهو إنما يدخل بيته .. فما الداعي لإلقاء التحية ! وهؤلاء يضيعون على أنفسهم الرحمة والبركة والمحبة .. فمن منا لا يحتاج أو يستغني عن الحب والرحمة والبركة ؟!!
* بعضهم يعتقد أن إلقاء السلام على زوجته يذهب بهيبته ، وأنه حتى يحافظ على احترام زوجته له فإن عليه أن يمتنع من السلام عليها !! ولهؤلاء نقول : اتقوا الله ، فالحب والمودة أقوى من الهيبة التي لا يحتاج الزوج إليها ، والسلام لا يمنع الزوج من أن يكون حازماً في بعض الأمور التي تحتاج إلى حزم .
وإذا كنت أدعو الزوج إلى إلقاء السلام على زوجته بعد دخوله بيته فإني أدعو الزوجة كذلك إلى إلقاء السلام على زوجها إذا كانت هي التي تدخل بيتها وزوجها فيه . أدعوك ، أيتها الزوجة الفاضلة ، إلى إلقاء السلام على زوجك بعد دخولك بيتك ، وأتبعي سلامك بالسؤال عن حاله ، والاعتذار إليه إن كنت قد تأخرت عن الوقت الذي وعدته بالعودة فيه .
يبقى أن أذكّر الزوجين بواجب رد التحية بأحسن منها . ذلك أن بعض الأزواج والزوجات يهملون رد التحية التي يلقيها أحدهم على صاحبه مع أن الله سبحانه يبين لنا وجوب ذلك وأنه تعالى سيحاسب عليه . يقول عز وجل (( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيباً )) النساء 86 .
وقد أجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة مرغّب فيها ، ورده فريضة . وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتجاهل الزوج الذي أُلقي عليه السلام تحية صاحبه فلا يردها وقد علم أن ردها فرض عليه ؟! إضافة إلى أن رد التحية استجابة للمصالحة بين هذين الزوجين اللذين مضى ما مضى من الزمن لا يكلم فيه أحدهما الآخر .
إذا دخل الزوج فألقى السلام على زوجته فإنه يحسن بها أن ترد عليه بقولها : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فهذا الرد الأحسن يسعده ويرضيه . فإذا لم ترغب في ذلك فإنه يجب عليها أن ترد تحيته بمثلها فتقول : وعليكم السلام .
وكذلك على الزوج أن يفعل إذا كان في البيت فدخلت زوجته إليه وألقت السلام عليه .
يبقى أن أشير إلى الأثر التربوي لإلقاء السلام فالأطفال الذين ينشؤون في بيت يتبادل فيه الوالدان التحية والسلام يتعلمون ذلك منهما ويكونون حريصين على إلقاء السلام ورده .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين