ألعاب الصغار بين الأمس واليوم

ألعاب الصغار بين الأمس واليوم

لجين فارس

 

التغيير سنّة الحياة، فبمرور السنوات تتغير أنماط الحياة عند البشر، فتظهر عادات جديدة وتندثر أخرى حتى تصبح ضرباً من الذكريات يتسامر بها الخلّان ويتندّرون بذكرها، ويشيع الحنين الى الأيام الخوالي وما كان فيها .

ولعلنا إن استذكرنا أيام الطفولة أدهشنا كم كنا نبتكر خلالها من ألعاب بدنية وجماعية بل ونصنع أدوات نلهو بها أو نخترع ألعاباَ مستخدمين ما يتوفر في البيئة من حولنا من أشياء تم الاستغناء عنها، أو لم يعد أحد يحتاجها .. فهنا طفلة تخيط لدميتها ثوباً من بقايا قماش استعملته أمها لخياطة ثوب لها، وهنا طفل يصنع دراجة من لوح خشبي وبضعة عجلات حديدية اشتراها من محل الخردوات القريب، وهناك بضعة صغار قد أمسكوا بحبل من طرفيه وأخذوا يلوحون به، فيما يقوم طفل أو أكثر بالقفز فوق الحبل في أثناء دورانه والخاسر من يقع أو يلمس الحبل ..! الى آخر ذلك مما كانت تجود به قريحة الأولاد أو مما يقوم الأطفال الأكبر سناً بتعليمه لمن هم أصغر منهم، ثم يطورونه ويضيفون عليه ما يزيد متعتهم وبهجتهم .

  ولئن عدنا من أحلام اليقظة والاستغراق في الذكريات ونظرنا إلى الأطفال من حولنا الآن لراعنا اندثار معظم هذه الألعاب، واختفاؤها وعدم معرفة الكثيرين من صغارنا لها، بل وعدم رغبتهم بتجربتها أو محاولة صنع ما يماثلها، فصغار هذه الأيام يفضلون الألعاب الالكترونية على ما سواها، ويجدون فيها متعة فائقة لا تعدلها متعة أخرى، ويقضون فيها من الوقت ساعات وساعات إن لم يذكرهم أحد بضرورة التوقف عن اللعب ! ومن الجيّد تزايد عدد الأسر التي تنبّه الوالدان فيها لخطورة مثل هذه الألعاب لما تسببه من إدمان حقيقي يصعب التخلص منه دون مساعدة متخصصة، ناهيك عن أضرارها الجسدية على النظر - لما تبثه الشاشات من اشعاع ـ وعلى عظام الرقبة والظهر إن ترافقت بجلسة غير صحية لفترات طويلة .

أما بعيداً عن عالم الحاسوب والشاشات فتمتلئ واجهات المحال التجارية بالألعاب من كل صنف، بأشكال مغرية وألوان جذابة ، تشدّ انتباه الصغار وتجعلهم يتعلقون بها ويلحون على ذويهم بشرائها، لكنّ الصغير ما ان يحصل على لعبة ويلعب بها يوماً أو يومين حتى يملها ويزهد فيها ويطلب غيرها، ويتكرر الأمر حتى تمتلئ غرفته بألعاب شتى، كلّها لا تعجبه ولا تغريه باللعب، بل يراها مملّة ليس فيها ما يسليه ! فما السبب يا ترى ؟

إن وفرة الألعاب ـ أو غيرها من المنتجات المادية ـ يفقد الطفل الشعور بقيمتها وأهميتها، خاصة إن أتته بغير تعب أو بذل مجهود للحصول عليها، فما عليه إلا أن يطلب فيقوم الأهل بتلبية رغباته، وكلما زاد ما لديه، أسرع إليه الملل، وزهد فيما عنده بوقت أقصر !

فما الحل في مثل هذه الحال ؟

لا بدّ للوالدين من الموازنة بين إشباع حاجات أطفالهما من جهة، والحرص على تنشئتهم بنفس سويّة تحسن التحكّم بشهواتها وإدارة رغباتها كيلا تفقد السيطرة عليها .

وفيما يلي بعض النصائح العملية للتعامل مع هذه المشكلة :

ـ توجيه الأطفال الى الحفاظ على ما لديهم من ألعاب، ومشاركتهم في ابتكار طرق جديدة لاستخدام ما لديهم بالفعل مما يعطيهم شعوراً بالمتعة، ويفتح لهم آفاق التفكير والإبداع .

ـ تخصيص وقت أسبوعي لقضاء وقت مع الأطفال، وإجراء المسابقات البدنية أو الثقافية المناسبة لأعمارهم، فهذا من شأنه أن يساعده نموهم العقلي والجسدي ويعلّمهم أنّ المتعة لا تستدعي إنفاق المال.

- هناك حيلة بارعة تنجح مع الصغار وخاصة في السنوات الأولى من العمر وهي إخفاء بعض الألعاب عن ناظريهم لمدة طويلة، حتى إذا ما أخرجت لهم ثانية فرحوا بها وانغمسوا باللعب بها لأيام !

- تحميل الصغار بعض المسؤولية في شراء الألعاب والأدوات الكمالية، كأن يُربط بالمحافظة على الصلاة في وقتها لمدة محددة، أو يكون مكافأة لصيام بعض شهر رمضان أو كله ـ حسب عمر الطفل- أوتحقيق إنجاز دراسي، إلى آخر ذلك مما يعطي الطفل شعوراً بأهمية ما حصل عليه، ويرفع قيمته عنده لأنه قد تعب مقابل الحصول عليه .

ـ تذكير الصغار بحال غيرهم من الأطفال الفقراء والمحتاجين ممن يفتقرون للحاجات المعيشية الأساسية، وحثهم على التصدق عليهم ببعض ما عندهم ممّا لم يعودوا يستخدمونه، وبيان أنّ " ما مللت أنتَ منه قد يكون كنزاً لغيرك " !

    إنّ المربّي الواعي لا يكتفي بإشباع الحاجات الماديّة لأبنائه بل يعمل على ترشيد استعمالها لتكون أداةََ لنموهم العقلي والنفسي، مع الحرص على رفع وعيهم وشعورهم بمن حولهم، والتأكيد على أنها وسيلة وليست غاية !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين