أكثر سواد المسلمين بنفسي

عبد العظيم عرنوس

لا تسل عن كبير فرحة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرى الكثرة الكاثرة من أمته يدخلون الجنة ، وينالون رضى الله عز وجل ، ولا تسل عن فرط غبطته وسروره وهو يباهي بأمته الأمم يوم القيامة ، وقد عبر صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى فيما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدِ اُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وروى البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، إذاً فأكثر من سكان الجنة هم من أمة نبينا صلى الله عليه وسلم .
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم سعى إلى تكثير أعداد المسلمين فيها، وندب كل من يستطيع الهجرة إلى المدينة أن يهاجر، من أجل بناء دولة الإسلام، وإرساء قواعدها، والذود عن حياضها، لأن القوة والعزة تكمن في كثرة الأمة المسلمة.
وقديما عبر الأعشى عن ذلك فقال:
......................    وإنما العزة للكاثر
وقال عمرو بن كلثوم:
مَلأنا البَرَّ حَتّى ضاقَ عَنّا       وَنَحنُ البَحرُ نَملؤهُ سَفينا
واعتبر القرآن من يتخلف عن الهجرة وهو مستطيع ظالما لنفسه، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً {النساء:97}
والهجرة إلى المدينة كانت واجبة على كل من ليس له عذر يمنعه.
فالكثرة المؤمنة محمودة شرعا لأنها تدل على قوة الأمة وحيويتها، وتتحقق بوساطتها الكفاية في جميع المجالات، وتستطيع من خلالها سد جميع الثغرات التي يمكن للأعداء أن ينفذوا من خلالها.
وخذ هذه اللقطة القرآنية المعبرة عن هذه الأمة بقيادة نبيها كما هي صفتها في إنجيل عيسى عليه السلام وهي رحم التاريخ ... وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ... {محمد:29} فهم بكثرتهم وقوتهم أداة لإغاظة أعداء الله، وتعمد إغاظة الكفار مقصود؛ كما هو واضح في الآية الكريمة.
ومن حكم إنزال الملائكة يوم بدر تكثير سواد المسلمين للربط على قلوبهم وتثبيت أقدامهم إضافة للحكم الكثيرة التي ذكرها الله عز وجل . والصلاة في المسجد الأكثر جماعة أفضل وأعظم أجرا لأنها مظهر لعزة المسلمين وهيبتهم.
من أجل هذا لم يتوان الصحابي الأعمى عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه عن المشاركة في شرف تكثير سواد المجاهدين رغم أنه لا يستطيع فعل شيء عملي بسبب آفة العمى، ولا حرج عليه شرعا في التخلف عن ميدان المعركة .. ذكر القرطبي في تفسيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه : رأيت يوم القادسية عبد الله بن أم مكتوم الأعمى وعليه درع يجرّ أطرافها، وبيده راية سوداء، فقيل له : أليس قد أنزل الله عُذرك؟ قال : بلى، ولكني أكثر سواد المسلمين بنفسي.
فما أعظم همتك يا ابن أم مكتوم، وما أشد حرصك على إظهار هيبة المسلمين.
لذا فإننا نرى وجوب الخروج في المظاهرات السلمية للمستطيع غير المعذور لتكثير سواد المتظاهرين، ولأنها تعبير عملي صارخ لتغيير المنكر، وإزالة الظالمين والمستبدين، ووسيلة فعالة شديدة الأثر لإغاظة الطواغيت وإضعافهم وكسر هيبتهم وشوكتهم، وانتزاع الملك منهم.
فما أروع صور الجموع المتظاهرة الحاشدة في ربوع سوريا، وما أبهى هذا السواد المتعاظم يوما بعد يوم في ساحات الحرية، تلك الجموع العزيزة التي أنهكت بتحديها أعظم آلة قمعية في العالم، وأعتى نظام إجرامي، وفضحت سوأته أمام سمع العالم كله وبصره، وما أجمل هذا الحداء العذب تنطق به أفواههم وهم متجردون من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته: يا ألله ما لنا غيرك يا ألله
واحمل بعزم الصدق حملة مخلص متجرد لله غير جبان
واثبتب صبر كتحت ألوية الهدى فإذا أصبت ففي رضا الرحمن
والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذي سنة الرحمن
لكنما العقبى لأهلا لحق إن فاتت هنا كانت لدى الديان

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين