أفلا يتدبرون القرآن لا تَخلو ‎استقامةٌ مِن ‎تقصيرٍ

قال الله تعالى :

«فاستقيموا إليه واستغفروه»

الاستقامة :

هي ضد الانحراف والفسوق...... أي السير على الصراط المستقيم دون انحراف عنه .

وهي تعني الثبات والاستقرار والإقامة على الحق والصراط المستقيم... فهي ضد الضلال أيضًا .

وهنا يبرز تساؤل :

مادامت هذه هي الاستقامة فلماذا جاء الأمر بالاستغفار بعدها :

لا تخلو استقامة من تقصير..... فمهما اتقيت الله - أيها الإنسان - ومهما عبدته ومهما شكرته فأنت مقصر في حقه.... وذلك لسببين :

السبب الأول :

أنك - أيها الإنسان - مهما عبدت الله تعالى وعظمته فلن تقدره حق قدره .

قال تعالى: "مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" سورة الحج(74).

وقال : "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ" سورة الزمر (67).

السبب الثاني :

أنك لن تستطيع أداء شكر نعم الله التي لا تعد ولا تحصى . أي أنك مقصر .

قال تعالى : "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" سورة إبراهيم (34) .

وقال أيضا : "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" سورة النحل(18).

ولو تأملنا قوله تعالى :

"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32) سورة فصلت .

لو تأملنا هذه الآيات الثلاث جيداً لوجدنا أمراً عجباً.... فإنه بالرغم من البشارة العظيمة بالأمن والأمان وبالجنة والإكرام لمن آمن واستقام فإنه قال في النهاية : (نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) ولم يقل مثلا من كريم رحيم . بالرغم من أن النزل هو إكرام النازل من صاحب النزل...

وإنما ذكر المغفرة لأن النازل - رغم إيمانه واستقامته خطاء مذنب... والجنة لا يدخلها المذنبون... فقد طرد منها إبليس لتكبره ولرفضه السجود لآدم.... وطرد منها آدم وزوجه لأكلهما من الشجرة التي نهماهما الله عنها .

إذاً لا بد من المغفرة لحل المشكلة..... فغفر ثم أكرم .

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه (جامع العلوم والحكم لإبن رجب) في قوله عزوجل: «فاستقيموا إليه واستغفروه» [فصلت:6] إشارة الى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع الى الاستقامة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين