أفِقْ قد أفاق الراقدون


بقلم عبد الحكيم الأنيس
 
يا أخي الحبيب:
إلى متى أنت في غفلة النوم، وقد رحل القوم؟!
ها هم في منازلِ "الحرَم" وأنت في مجاهل "العدم"، فإن لم تُجِدَّ السيرَ فاتك الوقوف بـ"عرفة"، ومَن يضمن لك البقاء، إلى عام القضاء.
أيها المتسحر أسرعْ فقد كاد الفجر أن يطلع
يا نائماً عن الصلاة كادت الشمس أن تُشرق
إذا ضيعتَ "المواقيت" فاتتك "اليواقيت"
أتريد نصيباً من "الميراث" وأنت لم تحضر "الوصية"!
أتريد "نثار" العروس وأنت لستَ من الحاضرين!
اقتسمَ الناس ميراثَ النبوة في المسجد، وأنت في الأسواق.
وسار الناسُ في ضوء "البدر" وأنت تنتظر "المحاق".
إنْ كنتَ عاشقاً فما هكذا الأشواق.
وإن كنت تريد "الوصال" فتعال.
هذه خيمةُ "الأحباب" منصوبة، والأكواب مسكوبة
فإن رُمْتَ الدخولَ فلازم الباب، وتململْ على الأعتاب
فلعلَّ البوابَ يرفعُ اسمك، فيأتيك الطلبُ من الأحباب..
 
* * *
 
رأيتُ أمس شخصاً ملأ الأنينُ قلبه، وأخذت الحسرة لُبَّه، قلت: مالك يا هذا ذَوَّبك الأنين، وأهلكتك الحسرات؟
قال: أنا مَن أمكنته الفرصة ففوتها، وأسعفته الأقدارُ فتخاذل عنها، ثم مَرَّ وهو ينادي: يا هلاك المسوِّفين ويا ضياعَ المتخاذلين..
فمضيتُ ـ وقد تمالكني الخوفُ وأدركني الحذر ـ وناديت:
مولاي عرِّفني قيمة الفرص، ولا تجعلني من أهل الغصص.
 خُذْ بيدي إلى أهل الوقت، ولا تحشرني في أهل المقت. أنا في امتحانٍ فأرشدني إلى الصواب، ودُلَّني على الجواب.
فيا أخي يا نور عيني:
أي عيد لمن أدركه العيد وهو لم يصم رمضان!
ما حال مَنْ أدركته "الغرغرة" ولم يَصْحُ بعدُ من السكرة والثرثرة.
إذا هلك الإنسان ـ مع عظيم فضل الكريم ـ فكم هو كبيرٌ جرمُه إذن؟
ضَيَّعَ الأوقات، وسوَّف في الخيرات، ولم يسجد لله ولم يركع، ولم يفعل معروفاً ولم ينفع، فبأي وجهٍ يطلب الحسنات، ويرجو الجنّات؟
إذا كان يوم القيامة استحى أهلُ الأعمال الجليلة من تقصيرهم، فماذا يقول العاطلون المقصرون؟
حضرتَ إلى سوق التجار، وليس في جيبك درهم ولا دينار!
فيا متاجراً في الأحلام، ما أكثرَ رصيدَك في "مَصْرَفِ" الأوهام!!
 
* * *
أخي الحبيب:
بادرْ وحاذرْ، إن كنت تخشى المخاطر.
وأسْحِرْ وباكر، إن كنت تحبُّ المآثر.
يقال يوم القيامة للقارئ: اقرأ وارقَ فمنزلتك عند آخر آيةٍ تقرؤها..
إذا كانت المنازل تُنال بالأعمال، فما أشدَّ ندمَ المتقاعسين، والجهال.. ما أشد خسارة المعرضين.. وما أجلَّ فرحة العاملين!
فَشُدَّ المِئْزر، وأحي الليل
فإذا دخلتِ العشرةُ الأخيرة فما أقربَ حلول العيد
وهناك إذا قبضْتَ "الجائزة" نسيتَ مرارة التعب، وعشتَ في نشوة الفرح.. ولن تستصعب "زليخا" طريقاً يؤدي إلى وصال "يوسف".
قبلك قطع النسوة أيديَهُنَّ، وأنت قطعت عملك
ونزع المجرمون ثيابهم، وأنت نزعت قلبك
أتُراك أمِنْتَ من الأكدار، أم اصطلحتَ مع الأقدار!
إياك أن تغتر بزيك، وتعتز بقولك.
ما ينفعُ زيُ الأتقياءِ، إذا كان القلب من الفجار؟!
 
* * *
أيْ أخي:
ناديتُك لو تسمع
ووعظتك لو كان ينفع
ها هو الطوفان قد جاء، وسفينة "نوح" توشك أن تُبحر.
أي جبل سيؤويك، وأي عاصم سيحميك؟
إن لم تكن من أهل السفينة فقد ضاع عمرك.
وغداً يُوحشك الليل، ويجرفك السيل.
وما أقسى الموت تحت أرجل الخيل!!
فبالله عليك.. هاتِ يدك.. فقد دقتْ ساعةُ الانطلاق
وإذا أبحرتِ السفينةُ سيحول بيننا الموجُ.. وهيهات هيهات التلاق..
* * *
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين