أفضل الكلام وأحبه إلى الله -17

 

(ثالثًا)

لا إله إلا الله (5/6)

 

(26)

كلمة الإخلاص تعصم الدم

 

حدَّثَ أسامةُ بنُ زيد بنِ حارثةَ قال:

بعثَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى الحُرَقَةِ من جُهَينَة، فصبَّحْنا القومَ فهزَمْناهم، ولَحِقتُ أنا ورجلٌ منَ الأنصارِ رجلًا منهم، فلمَّا غَشِيناهُ قال: لا إلهَ إلَّا اللَّه، فكفَّ عنهُ الأنصاريُّ، وطَعنتُهُ برمحي حتَّى قتلتُه. 

قال: فلمَّا قدِمنا بلَغَ ذلكَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ لي: "يا أسامة، أقتلتَهُ بعدَما قالَ لا إلهَ إلَّا اللَّه"؟

 قال: قلت: يا رسولَ اللَّه، إنَّما كانَ متعوِّذًا. 

قال: فقال: "أقتلتَهُ بعدَما قالَ لا إلهَ إلَّا اللَّه"؟ 

قال: فما زالَ يكرِّرُها عليَّ حتَّى تمنَّيتُ أنِّي لم أكنْ أسلَمتُ قبلَ ذلكَ اليوم!

 

صحيح البخاري (4021)، صحيح مسلم (96) واللفظُ له.

 

قالها متعوِّذًا: أي معتصمًا، ليحصِّنَ بها دمه.

قوله: "حتَّى تمنَّيتُ أنِّي لم أكنْ أسلَمتُ قبلَ ذلكَ اليوم": أي أن إسلامي كان ذلك اليوم؛ لأن الإسلامَ يجبُّ ما قبله، فتمنَّى أن يكونَ ذلك الوقتُ أولَ دخولهِ في الإسلام، ليأمنَ من جريرةِ تلك الفعلة. ولم يُرِدْ أنه تمنَّى أن لا يكونَ مسلمًا قبل ذلك. 

قال القرطبي: وفيه إشعارٌ بأنه كان استصغرَ ما سبقَ له قبلَ ذلك من عملٍ صالحٍ في مقابلةِ هذه الفعلة، لما سمعَ من الإنكارِ الشديد، وإنما أوردَ ذلك على سبيلِ المبالغة( ).

وأسامة بنُ زيد حِبُّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومولاه، وابنُ مولاه. من أجلَّةِ الصحابة. استعملَهُ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ على جيشٍ لغزوِ الشام، وفي الجيشِ عمرُ والكبار( ).

 

(27)

عصمة النفس والمال

 

عن أبي بكر الصديق، وأبي هريرة، رضيَ الله عنهما، قالا: 

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " أُمِرتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالَ لا إله إلا الله فقد عَصَمَ منِّي مالَه ونفسَهُ إلا بحقِّه، وحسابهُ على الله".

 

صحيح البخاري (1335)، صحيح مسلم (20، 21) واللفظُ له.

 

إلا بحقِّه: أي بحقِّ الإسلام.

معنى "وحسابهُ على الله"، قال الخطابي: أي فيما يستسرُّون به ويُخفونه، دون ما يَخلون به في الظاهرِ من الأحكامِ الواجبة.

قال: ففيه أن من أظهرَ الإسلامَ وأسرَّ الكفرَ قُبِلَ إسلامهُ في الظاهر، وهذا قولُ أكثرِ العلماء( ).

قالَ الطيبي: يعني من قالَ "لا إله إلا الله" وأظهرَ الإسلامَ نتركُ مقاتلته، ولا نفتِّشُ باطنه: هل هو مخلصٌ أم منافق، فإن ذلك مفوَّضٌ إلى الله تعالَى، وحسابهُ عليه( ).

 

(28)

عند المساء

 

عن عبدالله [بن مسعود] قال: 

 

كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا أمسَى قال: "أمسَينا وأمسَى الـمُلكُ لله، والحمدُ لله، لا إله إلا اللهُ، وحدَهُ لا شريكَ له. اللهمَّ إني أسألُكَ مِن خيرِ هذه الليلةِ وخيرِ ما فيها، وأعوذُ بكَ مِن شرِّها وشرِّ ما فيها. اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من الكسلِ والهرَمِ وسُوءِ الكِبَرِ وفتنةِ الدنيا وعذابِ القبر". 

قال الحسن ُبنُ عُبيدِالله: وزادني فيه زُبيد، عن إبراهيمَ بنِ سويد، عن عبدِالرحمنِ بنِ يزيد، عن عبدِالله، رَفَعَه، أنه قال: "لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، له الـمُلكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ".

 

صحيح مسلم (2723).

 

الكسل: التثاقلُ في الطاعةِ مع الاستطاعة.

قالَ الطيبي: الكسل: التثاقلُ عمّا لا ينبغي التثاقلُ عنه، ويكونُ ذلك لعدمِ انبعاثِ النفسِ للخيرِ مع ظهورِ الاستطاعة( ).

سوءِ الكِبَر: ورواهُ بعضهم بسكونِ الباء، بمعنى التعاظمِ على الناس( ).

 

(29)

عندما يأوي إلى فراشه

 

عن أبي هريرة:

 

عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مَن قالَ حينَ يأوي إلى فراشِه: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، له المـُلكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير، لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله، سُبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، غَفرَ اللهُ ذنوبَه، أو خطاياه - شكَّ مِسْعَرٌ - وإنْ كان مِثلَ زَبَدِ البحر".

 

صحيح ابن حبان (5528) وذكرَ الشيخ شعيب أن إسنادهُ صحيح على شرطِ مسلم.

 

(30)

دعاء مقبول

 

عن عُبادةَ بنِ الصامت:

 

عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مَن تَعَارَّ مِن الليلِ فقال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المـُلْكُ ولهُ الحمدُ، وهو على كلِّ شيٍء قديرٌ، الحمدُ للهِ، وسُبحانَ اللهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ثم قال: اللهمَّ اغفرْ لي، أو دعا، استُجِيبَ له، فإنْ توضَّأَ وصلَّى، قُبِلَتْ صلاتُه".

 

صحيح البخاري (1103).

 

تعارَّ من الليل: استيقظ، ولا يكونُ إلا يقظةً مع كلام( ).

أي: انتبهَ بصوتٍ من استغفارٍ أو تسبيحٍ أو غيرهما. وقوله: فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله، الخ: تفسيرٌ له. وإنما يوجدُ ذلك لمن تعوَّدَ الذكرَ حتى صارَ حديثَ نفسه، في نومهِ ويقظته( ).

 

(31)

صلاة التسبيح

 

عن ابن عباس:

 

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ للعباسِ بنِ عبدِ المطلب: "يا عباسُ، يا عمَّاهُ، ألَا أُعطيك؟ ألا أمنَحُك؟ ألا أحبُوك؟ ألا أفعلُ بكَ عشرَ خصالٍ إذا أنت فعلتَ ذلك غفرَ اللهُ لكَ ذنبَك: أوَّلَهُ وآخرَه، قديمَهُ وحديثَه، خطأَهُ وعَمْدَه، صغيرَهُ وكبيرَه، سِرَّهُ وعلانيتَه: عشرَ خصال. 

أن تُصلِّيَ أربعَ ركعات، تقرأُ في كلِّ ركعةٍ فاتحةَ الكتابِ وسورةً، فإذا فرغتَ من القراءةِ في أوَّلِ ركعةٍ وأنتَ قائمٌ قلتَ: سبحان اللهِ والحمدُ لله ولا إلهَ إلا اللهُ والله أكبرُ، خمسَ عشرةَ مرةً، ثم تركعُ فتقولُها وأنتَ راكعٌ عشرًا، ثم ترفعُ رأسَكَ من الركوعِ فتقولُها عشرًا، ثم تَهوِي ساجدًا فتقولُها وأنتَ ساجدٌ عشرًا، ثم ترفعُ رأسَكَ من السُّجودِ فتقولُها عشرًا، ثم تسجدُ فتقولُها عشرًا، ثم ترفعُ رأسَكَ فتقولُها عشرًا، فذلكَ خمسٌ وسبعون، في كلِّ ركعةٍ تفعلُ ذلك، في أربعِ ركَعاتٍ، إن استطعتَ أن تُصلِّيَها في كلِّ يومٍ مرةً فافعلْ، فإنْ لم تفعلْ ففي كلِّ جُمعةٍ مرةً، فإنْ لم تفعلْ ففي كلِّ شهرٍ مرةً، فإنْ لم تفعلْ ففي كلِّ سنةٍ مرةً، فإنْ لم تفعلْ ففي عُمُرِكَ مرة".

 

سنن أبي داود (1297) وصححه في صحيح سنن أبي داود، سنن ابن ماجه (1386) وصححه في صحيح سننه أيضًا. واللفظُ من الأول.

 

أمنحك: أعطيكَ منحة.

والحباء: العطية.

وعشرُ الخصالِ هي أنواعُ الذنوب، المنحصرةُ في قوله: أولهُ وآخره.. ( ).

 

(32)

غراس الجنة

 

عن ابنِ مسعود قال: 

 

قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لَقِيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْرِيَ بي، فقال: يا مُحمَّدُ، أقْرِئْ أُمَّتَك منِّي السلام، وأَخبِرْهم أنَّ الجنةَ طيِّبةُ التربَةِ، عَذْبةُ الماءِ، وأنَّها قِيعانٌ، وأنَّ غِراسَها: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلّا اللهُ، واللهُ أكبر".

 

رواهُ الترمذي في السنن (3462) وقال: حديثٌ حسنٌ غريب. وحسَّنهُ له في صحيحِ الجامعِ الصغير (5152).

 

قيعان: أرضٌ مستويةٌ خاليةٌ من الشجر.

قال الطيبي: في هذا الحديثِ إشكال؛ لأنه يدلُّ على أن أرضَ الجنةِ خاليةٌ عن الأشجارِ والقصور، ويدلُّ قولهُ تعالَى: {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سورة البروج: 11] على أنها غيرُ خاليةٍ عنها؛ لأنها إنما سمِّيتْ جنةً لأشجارها المتكاثفةِ المظلَّةِ بالتفافِ أغصانها. 

والجواب: أنها كانت قيعانًا، ثم إن الله تعالَى أوجدَ بفضلهِ فيها أشجارًا وقصورًا بحسبِ أعمالِ العاملين، لكلِّ عاملٍ ما يختصُّ به بسببِ عمله. ثم إنه تعالَى لـمَّا يسَّرَهُ لِما خُلِقَ له من العملِ ليَنالَ بذلك الثواب، جعلَهُ كالغارسِ لتلك الأشجارِ مجازًا، إطلاقًا للسببِ على المسبِّب. انتهى. 

قالَ القاري: وأجيبَ أيضًا بأنه لا دلالةَ في الحديثِ على الخلوِّ الكلِّي من الأشجارِ والقصور؛ لأن معنى كونها قيعانًا أن أكثرها مغروس، وما عداهُ منها أمكنةٌ واسعةٌ بلا غرس، لينغرسَ بتلك الكلمات، ويتميَّزَ غرسُها الأصليُّ الذي بلا سبب، وغرسُها المسبَّبُ عن تلك الكلمات( ).

 

(33)

غراس آخر

 

عن أبي هريرة:

 

أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ مرَّ به وهو يَغرِسُ غَرْسًا، فقال: "يا أبا هريرةَ ما الذي تغرسُ"؟ 

قلتُ: غِراسًا لي. 

قال: "ألا أدلُّكَ على غِراسٍ خيرٍ لكَ من هذا"؟ 

قال: بلَى يا رسولَ الله. 

قال: "قل: سُبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، يُغرَسُ لكَ بكلِّ واحدةٍ شجرةٌ في الجنة".

 

سنن ابن ماجه (3807)، وصححهُ له في صحيح سننه، المستدرك على الصحيحين (1887) وقال: صحيح الإسنادِ ولم يخرجاه، وله شاهدٌ عن جابر.

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين