أعرابي صدق الله فصدقه

رجال ومواقف:

أعرابيٌّ صدق الله فصدقه

حيدر الغدير



(1)

رجلان: أعرابي، ومسلم

الأعرابي: مرحباً يا أخا العرب، مِمَّن أنت، ومِمَّن القوم؟

المسلم: مرحباً بك وأهلاً وسهلاً، ترى هل سمعت نبأ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ تابَعَه؟

الأعرابي: بلغني شيء يسير عن ذلك.. أأنتَ من أتباعه؟

المسلم: هو ذاك. أنا من أتباعه، وكذلك هذا الجمع الكبير الذي تراه هناك.

الأعرابي: هذا الجمع كله من أتباعه؟ والله إن لأمره لَشأناً. "صمت" ولكن ماذا يفعل مع جمعه في هذه الديار؟ لقد علمتُ أن محل إقامته الآن في يثرب، فما الذي جاء به إلى خيبر؟

المسلم: اسمع أيها الرجل!.. أليس خيراً لك أن تسأل عن الدين الذي بُعِث به؟ "صمت"

الأعرابي: إي والله!.. إنك لصادق، ترى إلامَ يدعو!؟

المسلم: يدعو إلى خلع هذه الأوثان التي تُعبَد من دون الله عز وجل.. إنه يريد أن تكون عبادتنا خالصة لله وحده، فماذا تقول في هذا؟

الأعرابي: والله إنَّ هذا لحسن!.. "صمت" ثم ماذا؟

المسلم: يدعو إلى البِرِّ والصدق والأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار وحفظ العهود.. وجميع الفضائل والمكرمات.. "صمت"

الأعرابي: والله إنَّ هذا لحسن طيِّب!.

المسلم: وينهى عن الكذب والزور والبغي وأكل الميتة وإيذاء الناس ونقض العهود وجميع النقائص والعيوب. "صمت"

الأعرابي: والله إنَّ هذا لطيِّب!.. "صمت" يا أخا العرب!.. اصدقني ولا تكذبني، هل جُرِّبَ عليه كذبٌ قط؟

المسلم: لم يُجَرَّب عليه كذبٌ قط، بل إنه في الأمانة والعفة وصدق الحديث مضرب المثل يشهد بذلك أعداؤه قبل أن يشهد أتباعه.

الأعرابي: إن امْرَاً لا يكذب على الناس حريٌّ به ألّا يكذب على الله.. "صمت" لقد ألقِي في روعي أن صاحبكم صادق.

المسلم: إي والله!.. إنه لصادقٌ أمين.

الأعرابي: فما جزاء من تبعه من الناس مُصدِّقاً بقولِه؟

المسلم: جزاؤه الجنة إن شاء الله.

الأعرابي: وإنه لَنِعم الجزاء، "صمت" أنت لم تقل لي ما الذي تفعلونه هنا يا معشر المسلمين.

المسلم: الآن أقول لك بشرط أن تسلِم.

الأعرابي: ويحك!.. أمَا إني لَمسلم.. خذني إلى نبيكم لأسلم على يديه.

المسلم: حباً وكرامة، ما أسعدني بك أخاً جديداً في الإسلام!.. اسمع يا أخي لقد جئنا إلى خيبر لجهاد يهودها، فقد بغوا وظلموا، وإن الله ناصرٌ دينه ومُظهِرٌ نبيه. هيا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. "الأعرابي يكرر الصلاة"

الأعرابي: هيا بنا.


(2)

صوت الراوي يتحدث

الراوي: ومضى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، وأوصى به عليه الصلاة والسلام إلى من يُعنى به ويعلمه ويرشده.. فصفا الرجل وطاب.. وأخلص نفسه لله عز وجل أيَّما إخلاص.. لقد كان معدنا نفيساً نبيلاً، انتقل انتقالاً تاماً من الجاهلية إلى الإسلام، خلع كل ماضيه وهو يدلف إلى عالمه النضر الجديد.


(3)

الأعرابي – المسلم

المسلم: "في صوتٍ فرِح" يا أخي يا أخي!.. بارك الله فيك، فلنحمد الله تعالى على ما أولانا من نصرٍ مبين.

الأعرابي: حمداً لله على ما أنعم.. اللهم لك الشكر على ما منحتَ رسولك صلى الله عليه وسلم "المسلم يكرر الصلاة" من فوزٍ كريم.

المسلم: إنَّ نِعَمَ الله علينا عظيمة.. لقد كان لنا من الغنائم شيءٌ طيب.

الأعرابي: صدقت يا أخي صدقت.

المسلم: وهذا هو نصيبك مما غنم المسلمون، قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأعرابي يكرر الصلاة" فخذه بارك الله لك فيك.

الأعرابي: ولكن ما أنا وذاك؟

المسلم: ما أنت وذاك؟ إنه قَسْمُك من الغنيمة.

الأعرابي: ويحك يا أخي!.. ما كان هذا في حسابي حين أسلمت.

المسلم: فما الذي كان في حسابك إذن؟

الأعرابي: أن أُرمَى بسهمٍ في حلقي فأموت فأدخل الجنة.

المسلم: "معجباً" والله، إنك لنفس مؤمنة طموح.. أنت وما تختار.. خذ قسمك من الغنيمة ثم افعل به ما تشاء.

الأعرابي: إليَّ به.

المسلم: خذه، ها هو بين يديك. "صوت حركة"

الأعرابي: اسمع يا أخي!.. لأذهبنَّ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلم يكرر الصلاة" ثم لأقولنَّ له: يا رسول الله ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمَى بسهم في حلقي فأموت فأدخل الجنة.

المسلم: بارك الله فيك، واستجابَ لك رجاءك هذا.


(4)

صوت الراوي يتحدث

الراوي: ومضى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحمل بين يديه نصيبه من الغنائم، فقال: ما هذا يا رسول الله؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: قسمٌ قسمتُه لك. فقال الأعرابي: ما على هذا اتبعتك.. ولكن اتبعتك على أن أُرمَى بسهم ها هنا "وأشار إلى حلقه" فأموت فأدخل الجنة. ونظر صلى الله عليه وسلم إلى الأعرابي وقال له: إن تَصدُقِ الله يصدقْكَ. ونهض المسلمون إلى قتال عدوهم وحمِيَت المعركة وجاء سهم مُسدد كأنه يبحث عن هدفٍ بعينه لا يبغي سواه، فإذا به يصيب الأعرابي لا يعدوه إلى رجل آخر، وإذا بالإصابة في الحلق تماماً لا في مكانٍ آخر. وحُمِل الشهيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد لقي وجه ربه.. فقال عليه الصلاة والسلام متسائلاً متثبتاً: ها هو؟ قالوا: نعم.. قال النبي الكريم: صدق الله فصدقه. ثم دعا فقال: اللهم إن هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، قُتِلَ شهيداً وأنا عليه شهيد.

أيها الشهيد السعيد، هنيئاً لك ما كسبتَ بِنيَّتِك الصادقة، وإيمانك الراسخ المكين.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين