أسطورة البطل المنتظر !

د.أحمد محمد كنعان

تشكل شخصية "البطل المنتظر" المخيال الأهم والأبرز في تاريخ السياسة ، وهي شخصية نمطية تحفل بها أساطير وآداب مختلف الأمم والشعوب ، فقد ظلت الجماهير المقهورة على مدار التاريخ تحلم بالبطل المنتظر الذي يمتلك قدرة خارقة للعادة يستطيع بها تحقيق المستحيل ، والذي يجيء على حصانه الأبيض ليخلص الأمة من بؤسها وشقائها ويمضي بها إلى مستقبل أفضل ، وريثما يأتي ذلك البطل المنتظر نجد الأمة حين تتعرض لأزمة حادة تستحضر صورة "البطل" من سجلات الماضي كما نفعل نحن العربان الذين اعتدنا في كل أزمة أن نستحضر "المعتصم" أو "صلاح الدين" أو غيرهما لنستلهم من هؤلاء الأبطال روح الصمود !
وغالباً ما تكون شخصية البطل المنتظر ذات طابع ديني ، وعندئذ تندمج القوة الأسطورية للبطل بقوة الدين فتشكلان معاً "خلطة سرية" ذات نكهة عظيمة التأثير في تأجيج حماسة الأمة ، وبالرغم من أن فكرة البطل المنتظر هي في الأساس فكرة ملهمة تحيي في الأمة الأمل وتساعدها على الصمود في وجه الأزمات ، إلا أن الفكرة تظل فكرة سلبية لأنها توهم الجماهير بأن الحل آت لا محالة ، وهذا ما يجعل الأمة تستقيل من فعل التغيير وتستريح في الظل منتظرة بطلها القادم من مجاهل الغيب ، ويخبرنا تاريخ هذه الأمم المستقيلة أن الآتي لا يأتي أبداً ما لم تصنعه الأمة بأفعالها !
وفي حالات أخرى ـ حين تشتد الأزمة ولا يبقى ثمة وقت لانتظار البطل ـ نجد الأمة تسارع لصناعة بطلها ليقود المرحلة ، وقد يتصدى أحدهم فيقدم نفسه على أنه هو البطل المنتظر القادر على انتشال الأمة من أزمتها ، إلا أن التاريخ يخبرنا بأن البطل ـ سواء كان منتظراً أم مصنوعاً أم صانعاً لنفسه ـ فإنه نادراً ما يحقق أحلام الأمة ما لم تعمل الأمة نفسها على تحقيق هذه الأحلام ، وهذا ما جعل الأمم الحية اليوم تلغي فكرة "البطل" من ذاكرتها ، وتتصدى لتحقيق إنجازاتها العظيمة من خلال "مؤسسات المجتمع المدني" التي حلت بجدارة محل "البطل" الفرد الذي نادراً ما يأتي ، وإذا ما أتى فإنه غالباً ما يأتي متأخراً بعد فوات الأوان ، وحتى عندما يأتي في الوقت المناسب فإنه لا يستطيع أن يحقق المطلوب إذا لم تتجاوب الأمة معه ، وهذا ما حكاه القرآن الكريم عن "بني إسرائيل" الذين جاءهم البطل النبي "موسى" عليه السلام ، فخلصهم من بطش فرعون ، وأراد أن يعود بهم إلى أرض الأجداد ، لكنهم عندما علموا أن دخول تلك الأرض يتطلب منهم خوض معركة تخاذلوا ، وقالوا لموسى (( فاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا ههُنا قاعِدون )) فكانت عاقبتهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ، وهذا هو مصير كل أمة تستقيل تاركة مصيرها للبطل .. الأسطورة !

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين