أسباب ضعف الثقة بالعلماء

أبو عبيدة

1- ضعفتْ ثقة كثير من المسلمين بالعلماء فعلاً،
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم       ولو عظّموه في النفوس لعُظّما!
والأسباب وراء هذا كثيرة:

- منها أن كثيراً ممن يسمَّون علماء ليس لهم إلا الزّي الظاهري للعلم، وإلا شهادات جامعية لا ترتفع كثيراً في قيمتها عن شهادات محو الأمية!

- ومنها أن كثيراً من العلماء لم يعد سلوكهم، في نفوسهم وأهليهم، يفرض الاحترام والثقة. ولا أريد التوقف عند بعض النكات التي تثار حول هذا الصنف من العلماء، إنما أقول: إن المفارقة واضحة بين أقوال كثير من العلماء وسلوكهم وسلوك أهليهم.

- ومنها أن المواقف السياسية المداهِنة أسقطت هيبة العلماء بالجملة!. مثال واحد أذكره فيما يأتي، وأستطيع أن آتي بأمثلة أخرى، وغيري كثيرون يستطيعون الإتيان بأمثلة.
المثال هو أنه عقب دخول الجيش العراقي الكويت، عُقد مؤتمران لعلماء المسلمين أحدهما في بغداد، والآخر في السعودية، وكان موضوع البحث واحداً، وهو حكم الإسلام في استعانة الحاكم المسلم بقوات كافرة لدفع عدوان على بلده. وكان قرار مؤتمر بغداد تحريم ذلك، وقرار مؤتمر السعودية جواز ذلك. وفي كل من المؤتمرين أسماء كبيرة لعلماء من مختلف أنحاء العالم.
والذي اطلع في حينه على مقررات المؤتمرين، إما أن يقتنع بقرارات أحدهما فيسقط في نفسه هيبة علماء المؤتمر الآخر، وتضيع الثقة بهم... وإما أن يفقد الثقة بهؤلاء وهؤلاء، حتى لو اقتنع بحجج بعضهم، على أنهم جميعاً لم يقولوا ما قالوا إلا إرضاء لذوي الأمر من البشر، وليس إرضاء لصاحب الأمر رب العالمين، لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ.

2- وإذا كانت حال العلماء، في نظر الناس، كما ذكرتُ آنفاً، فكيف يملك هؤلاء العلماء القدرة على شحذ الهمم وتحريك العواطف؟!.

3- وهجران الناس المساجد والدروس فيها، وحضورُ صلاة الجمعة على أن ذلك لإسقاط الفرض فحسب، وليس للتفاعل والاستفادة والتفقه ومعرفة حكم الإسلام فيما يمر بالمسلمين... هذا كله نتيجة لما ذكرت آنفاً، ولأن معظم الخطباء يحرص على الحديث فيما لا يثير غضب أهل الباطل، فهو يتحدث في تأكيد بعض البدهيات المعروفة: الإيمان بالله تعالى، وحب نبيه ، والمحافظة على الصلاة، والصدق وصلة الرحم، وحكم كفارة اليمين...
بل إنه، وهو يتحدث في هذه الموضوعات الطيبة يتحاشى الربط بينها وبين ما يغضب أولياء نعمته... فلم يعد يذكر أن الإيمان بالله تعالى يقتضي الاحتكام إلى دينه في كل شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية... ولم يعد يذكر التناقض بين دعوى الإيمان بالله وبين موالاة أعدائه والخضوع لأوامرهم، وتمرير مؤامراتهم على الأمة... وهكذا وهكذا، حتى غدت هذه الموضوعات الكبيرة الخطيرة خالية من دلالاتها.

4- وخلوّ المساجد من حِلَق العلم له أسباب كثيرة، منها ندرة العلماء الذين يمكنهم إقامة هذه الحِلَق، أو إعطاؤها حقها... ومنها منع أولي الأمر من إقامة مثل هذه الحِلَق إلا لمن تُرخِّص لهم، ممن يفقدون الثقة في نفوس أبناء المجتمع، وإصدار الأوامر بإغلاق المساجد بُعيد الفراغ من الصلاة... منعاً لمثل هذه الحِلَق!.

5- العلماء أنفسهم، ومعهم كثير من رجال "الصحوة الإسلامية" نجحوا في إشاعة ثقافة الاستقالة من واجب نصرة الإسلام. إنهم يريدون أن ينتصر الإسلام، بشرط أن يتجنب المسلمون تقديم أي تضحية. وحين يوجد العالم أو الداعية الذي يقول كلمة الحق ويعرّض نفسه لمحنة، يأتيه اللوم من كل حدب وصوب: ألم يكن خيراً له أن يتكلم في الأمور العامة ولا يجلب لنفسه المحنة؟!. يعني أن يتكلم في بعض الفروع التي لا تزيد في وعي المسلمين ولا تكاد تغير من واقع المسلمين شيئاً.
إن وجود العالم (أو الداعية) الذي يقول الحق ولو أغضبَ أهل الباطل، يذكّر إخوانه "العلماء" و"الدعاة" الذين يجبنون عما جرؤ عليه صاحبهم. وبدلاً من أن يحمدوا الله أنْ سخّر لهم من يتكلم نيابة عنهم، وأن يدعوا له بالتوفيق والحفظ... ولعله يسد بعض فرض الكفاية، تراهم يسلقونه بألسنة حداد لعل ذلك يمكّنهم من الحصول على شهادات "حسن سلوك" من أرباب الباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

6- لابد من التنويه بأنه لا تزال طائفة من أمة محمد  ظاهرين على الحق، لا يضرّهم من خالفهم، يقولون كلمة الحق ولا يخافون لومة لائم، لكن هؤلاء ما يزالون نُدرة في المجتمعات الإسلامية، والنادر لا حكم له. وإذا لم يكن أحدنا من هؤلاء فلا أقلّ من أن يكفَّ لسانه عن لومهم والإساءة إليهم، بل لا أقلّ من أن يدعو الله لهم بالحفظ والتوفيق والتسديد والنصر، وأن يدعو لنفسه أن يرفعه الله إلى درجتهم. والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين