أزْمَةُ المنْطقَة.. اليمَن نَمُوذَجًا

 

      الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعدُ: 

فقد قيل لي أنتَ يمنيٌّ، واليمَن في أزْمةٍ! فهلَّا كتبتَ عن أزْمة اليمَن؟ 

وبعد الاستخارة والاستشارة والتَّفكير وجدتُ باختصارٍ أنَّ أزْمة اليمَن هي نفسُها أزمة المنطقة!! 

    وأمَّا مع شيْءٍ مِن التَّحرير والتَّذكير، فإنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم وَصَف اليمَنيين بقوله: «أتاكُم أهلُ اليمَن، أضعَفُ قلُوبًا، وَأرَقُّ أفْئِدَة، الفِقْهُ يَمَانٍ وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» متفق عليه عن أبي هريرة، ودعا عليه الصَّلاة والسَّلام للشَّام واليمَن، فعنِ ابن عُمر قال: ذكَرَ النَّبي صلى الله عليه وَسلم: «اللّهُمّ بَارِكْ لنَا في شَأْمِنا، اللّهُمّ بَارِكْ لنَا في يَمَنِنا»[صحيح البخاري:2/33].

واليمَن من شِبه جزيرة العرب التي هي مَعقِل الإسلام، وأوصَى الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّها خاصَّةٌ بالمسلمين في أحاديث، أحدُها في البخاري وآخرُ في مسلم، وفي حديثٍ لِعائشة أنَّ آخِر ما عَهِدَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم به: «لا يَجْتَمِع في جزيرةِ العَرَب دِينَان». قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد، والطبَراني، ورجال أحمد رجال الصَّحيح غير ابن إسحاق وقد صرَّح بالسَّمَاع.

والجنود المجنَّدة تكون في الشَّام واليمَن، لنُصرة الإسلام في آخِر الزَّمان، كما في حديث ابن حَوَالَة عند أحمد وأبي داود والطبراني وغيرهم، وذكَر محققو مسند أحمد أنَّه صحيحٌ بطُرُقه، وجاء في الحديث مدحٌ للشَّام وجنوده، وبَياَنُ أنَّ اليمن وجنود اليمن في الدَّرَجَة الثَّانية بعد الشَّام، بقوله عليه الصَّلاة والسَّلام في آخِر الحديث: «فإنْ أَبَيْتُم فَعَلَيْكُم بِيَمَنِكُم، واسْقُوا مِن غُدُرِكُم» [مسند الإمام أحمد:28/216].

والغُدُر لعلَّها السُّدود التي اشتهرتْ في اليمن كما في سورة سبأ في القرآن الكريم، وكأنَّ الحديث يُوَجِّهُ بالاعتماد بعد الله على الإمكانات الدَّاخلية كالسدود ونحْوها، بِسَبَب المؤامرات الخارجيَّة، وفي ذلك معجزةٌ للنَّبيِّ عليه الصَّلاة والسلام؛ لأنَّ السُّدود الكبيرة، ومنها سدُّ مأرب، عادتْ إلى اليمن في هذا الزَّمان، رغم تركها بعد انهيار سدِّ مأرب القديم.

وقد تكون الفصائل المنضبِطة بالشرع في سُلوكها ووَلائِها، المجاهِدة الآن في الشَّام واليمن، هي بداية الجنود المجنَّدة.

كما أنَّ لليمن مَوقِعًا استراتيجيًّا على البحر الأحمر، والبحر العربي، وباب المندب، وقُربًا استراتيجيًّا مِن الحرَمَين، ولذلك حَرَصتْ على اليمن الدَّولةُ العثمانيَّة، وضَحَّت كثيرًا؛ لأنَّ حِمايَة اليمن حِمايَةٌ لِجزيرة العَرب وحماية ٌلِلحرَمَين من الخطَر الأجنبِي.

كما حرَصتْ على اليمن الدولة الأيُّوبيَّة، وكلُّ الدُّوَل الإسلاميَّة الكبرى مِن قبل، بل حرَص على اليمن العُبَيْدِيون الشَّيعة في مصر؛ لأجل النُّفوذ في جزيرة العرب، وكلُّ هذه الدُّول جمَعتْ في حُكمها بين اليمن والحرَمين.

وإذا كان أهل السُّنة في العالَم الإسلامي، وهم المذاهب الأربعة، هم أغلبيَّة المسلمين، كما هو معلومٌ، ومجموع الأقليات كالشيعة والباطنية والخوارج ... إلخ . حَوَالَي 10%، أو يزيدون قليلًا.

فإنَّ الخلافة الجامعة دائمًا كانتْ خلافةً سُنِّيةً، وبعد غياب الخلافة تَداعَتْ الأُمم والأقليَّات للسيطرة على المسلمين.

وفي أيَّامِنا تَحالَف الغرب والشَّرق مع الأقليَّة الشيعيَّة لِضرب أهل السُّنّة والإثْخان فيهم!، فَسَيْطَروا على العراق ومارَسوا الحرب الاستئصاليَّة على الأكثَرِيَّة السُّنِّية، بعد فصل العرب السُّنة عن الأكراد السُّنة، وحدَث مِثل ذلك في سورية بالتَّحالف مع الأقلية النُّصَيريَّة الذين ينسِبُون أنفسهم للشيعة، وقريبٌ من ذلك ما حدَث في لبنان وفي اليمن.

تمامًا  كما فعَل مِن قبل الوزير الشيعي ابن العَلقمي في إغراء التَّتَار! بالقضاء على الدَّولة العباسيَّة، وارتكاب مَجزَرة بغداد، وكما فعَل العُبَيدِيُّون الشيعة في تحالُفهم مع الصليبيين! ضدَّ الدَّولتين النُّورية والأيُّوبية، وكما تحالَف الصَّفَوِيُّون الشيعة مع البُرْتُغاليين الصليبيين! ضِدّ الدَّولة العثمانيَّة.

ونعود إلى اليمن حيثُ الأغلبيَّة هم أهل السُّنة، فمحافظاتُ الجنوب وهي حضْرمَوت وشبْوة والمهَرة ولحْج وأبْيَن والضالِع وعدَن وسُقَطْرة كلُّها شافعيَّةٌ، ومحافظاتُ تعز والبيضاء ومأرِب والحُدَيدَة ورَيمَة ومُعْظم إِبّ هي محافظاتٌ شافعية أيضًا من محافظات الشَّمال، وأمَّا محافظاتُ شمال الشمال وهي صَعْدة والجَوف وحَجَّة وعَمْران وصَنْعاء وذَمَار والمَحْوِيت، فهي محافظاتٌ زيديَّة، وأمَّا أمَانة العاصِمة فسُكَّانها من كلِّ المحافظات. 

وزيديَّة اليمن شيعةٌ مُعْتَدلون ، لا يَمْتَنِعون عن الأخذ مِن كتُب السُّنّة، كالأمَّهات السِّتّ، ونَبَغ منهم علماء كبار اشتَهروا بالسُّنّة في العالَم الإسلامي مثْل ابن الوزير، وابن الأمير الصَّنْعاني، والمَقْبَلي، والشَّوكاني.

وقد سَعَتِ الأقلية الشيعيَّة العالَمِيَّة مع حلفائها لِاستمالة فصيلٍ مُتَطَرِّف مِن زيديَّة اليمن، وإمْدادِه بالأموال والأسلحة والتَّدريبات والخِبْرات على مَدَى ربع قرْن، وتمكينه فيما بعد من السيطرة على أسلحة الدَّولة وعلى النَّاس وعلى الأراضي في حروبٍ سبعةٍ مُصطنَعة، وفي الحرب السَّابعة سَيطر هذا الفصيل على كثيرٍ من اليمَن، وعلى إمكاناتٍ في اليمن، بتعاونِ مُتَنَفِّذين في السُّلْطَة مُتفاهِمين معه ومع الغرب، وبِتعاوُن شيعة الخليج، وأطرافٍ أخرى.

تمامًا كما حدَث التَّمكين والسُّكوت عن تَطَوُّر الحزب الشيعي في لبنان، إلى أن تَبَيَّن أنّ الخَطَر يَشمَل المنطقة كلها، بإقامة كيانٍ شيعيٍ كبيرٍ مُتفاهِمٍ مع الغرب، مُتَظاهِرٍ بالنِّقمة على الغرب! في ظِلِّ دَهاءٍ كبيرٍ من الطَّرَفين!! وما الاتفاق النَّوَوي إلَّا وَمْضَة من ذلك، و تبيَّن أنَّ هذا الكيان يُركِّز أكثر على قلب العالَم الإسلاميِّ على العراق والشَّام وجزيرة العرب والحرَمين ومصر.

إنَّ المشروع الشيعيِّ الطَّائفي يُوظِّف طاقة كلِّ شيعيٍّ في العالَم، ويعتبر نفسه مسؤولًا عنه، وهو مشروعٌ واضحٌ في أذهان المخطِّطين والمتحالِفين، مَفروضٌ في الواقع بقيادةٍ شيعيةٍ عالَمِيةٍ واحدة، وإمكاناتٍ مَرْصُودةٍ، وبلادٍ مَركَزيَّةٍ هادئةٍ من الحُروب، وظروفٍ دوليَّةٍ مُساعِدةٍ، لِوضْع لَبِنَةٍ على لَبِنةٍ حتى يكتَمِل مشروعهم في بُلداننا، ويَيْأس العِملاق السُّنِّي مِن إعادة الخلافة.

وبالمقابل وحتَّى لا نبْخس النَّاس جهودهم، فإنَّ المواجهات والمقاومة للمشروع الشيعي في المنطقة عنيفة، لكنَّها بِلَا مشروعٍ مُكافِئ!! ولا ترْقَى إلى التَّصدِّي الرادِع لِما يلاقيه مَلَايِينُ أهل السُّنة في بُلدان المنطقة مِن التَّشريد، والتَّقتِيل، والتَّدمير.

وبعض هذه المواجهات تحت مراقبة الغرب ومراقبة مُنظَّماته ومبعُوثِيه الأُمَمِيّين، بحيثُ يَحرص الغرب ألَّا تُؤثِّر المواجهات على مُخطَّطه الطَّائفي الاستراتيجي، وألَّا يَتمَكَّن أيُّ كيانٍ سُنِّي من القيام بالواجب أو المسؤوليَّة نحْو إخوانه، مثْلَما يفعل الشيعة.

وما يجري مِن مُفاوضاتٍ أو تَهْدِئَاتٍ، فإنَّما هي مَكْرٌ واستراحةُ مُحارب، وتَرَبُّصٌ لِفُرَصٍ أفضل، ولن تتَنازل الطَّائفيَّة وحلفاؤها - مهما وقَّعوا من الاتفاقات - عن ولاية الفقيه المتَوَغِّلة في مُخَطَّطاتهم العَقَدية والتَّعليميَّة والإعلاميَّة والعسكريَّة للدَّولة والمجتمع ولن يتوقَّفوا حتَّى تكون البلاد المهمَّة والدِّيار المقدَّسة في العالَم الإسلامي تحت وِلايتِهم.

إنَّ مشروع الشيعة لا يُوقِفهُ إلَّا مشروعٌ عَادلٌ شاملٌ، سُنيٌّ مُعْتدِلٌ، تحْمِيهِ القوَّة، يَستوعِب مَفاصل الحياة بالإسلام، ويُعِيد الأُمَّة جسَدًا واحدًا، بِرأسٍ واحدٍ، بِلا حدودٍ ولا جنسيَّاتٍ! وكم مِن قُوّةٍ في العالَم اليوم لها مشروعٌ دينيٌّ!، ولكن بلا عدلٍ؛ لأنَّ الذي لا مشروعَ له، لا وُجودَ لَه! والعدل لم تَذُقْهُ الأرض إلَّا في ظلِّ الدِّين الصَّحيح، الذي أنزلَه الله رحمةً للعالمين!.

يَا لَيتَ أُمَّتَنا تَفْشُو عَدالَتُها        حتَّى تَعُودَ إِلَى تَقْلِيدِها الأُمَمُ

فالمشروع الصُّهيوني توراتيٌّ دينيٌّ يَجرِي في دِماء يهود العالم، ومِثله المشروع الصَّليبي فالرُّوس الشيوعيون بالأمْس، ماضُون وراءَ كلام كنيستهم عن غزْو سورية، أنَّه مُقدَّس، والغرب صانِعُ وحارسُ دولة اليهود مُنطلقه دينيٌّ إلى حدِّ تَبْرِئَة الفاتيكان لليهود بِزَعْمهم مِن دَم المسيح.

ونحن على يقينٍ أنَّ أهل السنَّة هُم الأغلبيَّةُ السَّاحقة في خير أمَّة أُخرجتْ للنَّاس، وسوف يُحقِّق الله وعده في النُّصوص بعودة الخلافة لهم، ويُهَيِّئُ مِن وَسَط الأزمة المخرَج، ومَن يُجَدِّد للأُمَّة دينها، كما حصَل المخرَج في أزمة التتار، بقيادة سيف الدين قُطُز، والمخرَج في أزمة العُبَيْديين الشيعة والصليبيين، بقيادة نور الدين ثمَّ صلاح الدين، والمخرَج في أزمة الصَّفَويِّين الشيعة والبرتُغاليين، بقيادة ياوُوز سليم، والله يَبْتَلي الأُمَّة ثمَّ ينصرُها في آخِر المطاف، قال تعالى : ?وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ? [محمد:4] . وقال سبحانه : ?وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون? [يوسف:21]. 

المصدر : مجلة الحميدية العدد الثالث

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين