أدركوا أُولى المدارس

مشهد منتشر على مواقع التواصل يملأ النفس أسًى، ويُنذِر بشرٍّ عظيم، وعذابٍ أليم، وجيلٍ منتظَرٍ عقيم، ومستقبلٍ أسودَ بهيم، إن لم يتداركنا الله برحمته، فننهض لتدارك المدرسة الأولى قبل أن تَدرُس، وتنمحي آثارُها.

الأمُّ مدرسةٌ إذا أعدَدْتَها=أعدَدْتَ شعبًا طيِّبَ الأعراقِ

لكنها تُعَدُّ في أيامنا لتَفسُد وتُفسِد، فتسعى إلى حتفِها بظِلْفِها، في غفلةٍ عن نفسها، وتغافلٍ من ذويها.

ذاك المشهد المرعب في دولة عربية مسلمة، تجمهرت فيه الفتيات حول مسرحٍ في ساحةٍ مكشوفة، يقف عليه مطربٌ مسخٌ في صوته، له من فساد اللفظ، وفساد المعنى، وسوء المظهر والمخبر القِدْحُ المُعلَّى.

تتمايل الفتيات على نشازه، وكلُّهن إلا قليلًا قد غطين الرؤوس بالحجاب المستحدَث على يد بعض دعاة الفضائيات، ذاك الحجاب الذي يغطي الرأس ولا يحجب المفاتن، بل يُظهِرها ويُبدِيها، ويجمِّل صاحبته ويحسِّنها، حجابُ الزينة والإغواء والفتنة، وليس حجابَ الستر والعفة والحشمة.

مشهدٌ لا يصبر عليه صاحب غيرة، ولا يسكت عنه ذو قلب حي، ولا يفزع لهوله إلا عاقل يدرك عواقبه، ويخشى عقابه.

إن ضياع جيلٍ من الفتيات هو ضياعُ أجيالٍ وخرابُ أمة، وإن أعداء الأمة قد أرادوا خرابها، وأعدوا عُدَّتهم لحربها، واستهدفوا أولى مدارس نهضتها، مذ أيقنوا أن حرب السيف لا تجدي كما تجدي الحرب الناعمة.

هذا المسرح الذي علت عليه أقدام المطرب المتهتك فوق رؤوسكن كان مكيدةً عدوانية، وحربةً فرنسية، طعن بها نابليون خاصرة أمتنا إبَّان حملته على مصر، وتركها تنزف ببطء، لتفتك فرقته الغنائية بالعزف والتمثيل، بتغيير عادات الأمة المسلمة، فيخترقها ويخرِّقها، ثم يحرِّقها ويطأ رمادها، ويسلب خيراتِها وثرواتِها، ويعلو بفساده صلاحَها، وبكفره إيمانَها، وبفجوره عفتَها، ومن أرادت التثبُّت فلترجع إلى رسالة نابليون إلى قائد جنده التي أثبت نصَّها شيخُ العربية أبو فِهْر محمود شاكر في كتابه الفذ: رسالةٌ في الطريق إلى ثقافتنا.

ومنذ ذاك الحين والسلاح النابليوني يفري ثوبَ أمتِنا، وينزع عنها ما فرى ليريها سوأتها، وأي سوأة أعظم وأخزى من جمهور مسلمات عفيفات يتمايلن تحت أقدام بطَّال طبَّال، ليس له من الطرب إلا قبح النشاز، ولا من الخلق إلا القِحَة والإسفاف.

يا بنة الإسلام!

إنك لن تكوني صالحةً وأنت متعلقةٌ بأذيال متهتِّك، مرتميةً تحت رجليه تتمايلين طربًا.

يا بنة القرآن!

إنها مزامير الشيطان وخطواته، ووسوسته ونزغاته، فاستعيذي بالله، ولا ترتخينَّ يداك عن الحبل المتين الواصل بين السماء والأرض، والقرآن حبل الله، من استمسك به نجا، ومن أفلته ضلَّ وغوى.

يا بنة الأحرار!

إنها والله سوقُ رذيلة، وساحةُ فجور، ولا يليق بالحُرَّة أن يأسرها الأراذل، ولا أن يغويَها وضيع، يجني ربحَه بإفساد أخلاقها، وفساد دينها.

يا أمَّ الأجيال!

كيف لك أن تكوني القدوة إن رآك ابنك وشاهدتك ابنتك على حال كهذا الحال المبتذَل؟

أتقدرين بعدئذٍ على وضع القواعد والضوابط، أو توجيه الدَّفَّة إلى برِّ الأمان؟

ويا أيها العقلاء في المشارق والمغارب!

أدركوا قبل ألا تدركوا، واستنقِذوا من قبل أن تفقدوا، وحرروا المرأة من وهم تحرير المرأة وأغلال النَّسوِيَّة، لئلا تلد لكم جيلًا من العبيد على أيديهم تضيع الأمة وتَبِيد.

وليس العبد من اشتراه سيده بالدرهم والدينار، بل العبد من باع نفسه لعدوِّه بحُرِّ الاختيار!

(إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا یَدۡعُوا۟ حِزۡبَهُۥ لِیَكُونُوا۟ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ). [فاطر : 6]

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين