أثر اللجوء إلى تركيا على الحياة الزوجية

تحتّم على السوريين اللجوء إلى دول العالم نتيجة الحرب الدائرة في سورية، فشكلت ظاهرة اللجوء آثاراً سلبيةً وإيجابيةً على كافة الأصعدة في حياة السوريين، وعلى الرغم من اللجوء والصعوبات التي يعاني منها السوريون أينما وجدوا؛ استمرت عجلة الحياة عندهم في بلاد المهجر من زواج وطلاق وإنجاب وغير ذلك.

فكيف أثّر اللجوء في الحياة الزوجية للاجئين السوريين في تركيا؟

وقد كانت الإجابة عن هذا السؤال، ودراسة هذا التأثير؛ عنوانا لرسالتي في الماجستير "أثر اللجوء على الحياة الزوجية" (دراسة تطبيقية عن اللاجئة السورية في تركيا)

لمحة عن عينة الدراسة:

العينة الأولى: 102لاجئة في تركيا، باختلاف الحالة الاجتماعية لهن: متزوجة - أرملة -مطلقة.

أما العينة الثانية: القائمين على شؤون اللاجئة (مدراء منظمات مدنية، وبعض المسؤولون الأتراك) عددهم24 شخصا.

وفيها درست أثر اللجوء على محاور ثلاث، وجاءت كالآتي:

أولا: مدى تأثير اللجوء على عقد الزواج للاجئة السورية:

ونتيجة لتحليل الاستبيانات التي وجهتها الباحثة لعينة من اللاجئات السوريات، وأولياء اللاجئة، والقائمين على شؤونها في تركيا، كانت نتائج تحليل الاستبيانات كالآتي:

كان للجوء تأثيرٌ متوسطٌ على عقد زواج اللاجئة، ومن خلال الخوض في بعض التفاصيل لهذا المحور الذي تفرع عنه عدة أسئلة، يتبين أن عقد الزواج في تركيا له قدسية ومكانة مهمة عند اللاجئين وضرورة حضور ولي اللاجئة لعقده، ويعزى ذلك الأمر لضمان حقها وحسن اختيارها خاصة في بلاد اللجوء الذي جمعت السوريين من كل المحافظات.

وأما قضية إجبار الفتاة على الزواج وتزويجها بسن مبكرة خوفا على مصلحتها، كانت بنسبة منخفضة، وهذا يدل على وعي وإدراك أولياء اللاجئة بأخذ رأي اللاجئة في أمر زواجها، ووعي السوريين في القوانين التركية التي تمنع من زواج القاصر وتعده مخالفة يترتب عليه عقوبات.

وتبين من تحليل الإجابات أن مهر اللاجئة السورية من الخاطب التركي أكثر مما يطلب من الخاطب السوري ويرجع لأسباب عديدة منها.

ا-الخاطب السوري أثقلته المعيشة في تركيا فأصبح الزواج عند الشباب أمرا صعبا بسبب غلاء تجهيزات العرس.

ب-الخاطب التركي يبقى في وضع استقرار مادي أكثر أريحية من الشاب السوري.

ج-العادات والتقاليد التركية تتطلب من الخاطب مهرا كبيرا تجهز بها الفتاة نفسها وبيتها، وبحسب الاندماج الذي حصل بين الشعبين السوري والتركي طبق هذا الشيء على الفتاة السورية.

د-الخوف من الطلاق من الرجل التركي دفع أهل الفتاة السورية لطلب مهر أكبر مما جرت عليه العادة، حتى لا يستهين الرجل التركي بالطلاق، أضف إلى ذلك أن بعض الأتراك لا يقيدون الزوجة السورية على قيدوهم وذلك بسبب منع القانون التركي تعدد الزوجات.

ثانيا: مدى تأثير اللجوء على الحقوق الزوجية (حقوق الزوجة وحق الزوج والحقوق المشتركة):

بالنظر إلى نتائج المحور الثاني الذي يتكلم عن حقوق الزوجة، يتبين أن اللجوء أثر سلبا على حقوق الزوجة من نواحي عدة أولها "النفقة الزوجية" قليلة وغير كافية مما جعلها تضطر إلى الدخول إلى سوق العمل لتساعد زوجها أو أولادها في مصاريف الحياة، وترجع لأسباب عديدة منها.

أ-المعيشة في تركيا مكلفة، واللاجئون لا يحصلون على المساعدات إلا بشروط معينة، وإن توفرت شروط المساعدة إلا أنها غير كافية لسداد احتياجاتهم.

ب- تدني الأجور التي يتقاضاها العمال السوريون.

ج-أضف إلى أن الكثير من اللاجئين في تركيا مازال مسؤولا عن عائلته في الداخل السوري ولا يخفى على أحد سوء الوضع الاقتصادي في الداخل السوري.

د-يواجه السوريون في تركيا مشكلة من ناحية توصيفهم القانوني، فهم لاجئون ولكن يتمتعون بالحماية المؤقتة فقط وليست كالحماية الدولية التي يتمتع بها اللاجئون في الدول الأوروبية حيث تتوفر لهم معيشة أفضل فيقدم لهم السكن المجاني والمساعدات المالية إلا إذا حصل اللاجئ على عمل انقطعت عنه تلك المساعدات، بينما اللاجئون السوريون في تركيا لا يحصلون على مساعدة الهلال الأحمر إلا إن توفر لكل عائلة ثلاثة أطفال على الأقل وألا يملك عقد تأمين من عمله ولا بيت ولا سيارة باسمه وتلك شروط مجحفة بحق السوريين.

وهذا ما أكده تقرير عن مجموعة الأزمات الدولية: أن نسبة 50% من السوريين في تركيا يعيشون تحت خط الفقر، و20% ليس لديهم أفراد عاملون، و65% من الأسر تعتمد على الاقتصاد غير الرسمي وهذا يعني عدم تمكنهم من حقوقهم القانونية كالحد الأدنى من الأجور، ووفقا للتقرير فإن عددا من الجامعيين وحملة الماجستير يعملون كحرفيين وعمال عاديين وبرواتب قليلة ومن دون عقود.

ونسبة 85% من الرجال يعملون, ونسبة 25% من النساء يعملن أو على استعداد للعمل في تركيا.

وأما فيما يخص التعدد، فيما إذا كان هناك عدلٌ في النفقة والمبيت من قبل الزوج، فكانت النسبة مرتفعة بعدم تحقيق العدل في النفقة والمبيت بين الزوجات.

ثالثا: مدى تأثير اللجوء على الطلاق وطرق إنهاؤه.

أثر اللجوء سلبا على حقوق الزوج من وجهة نظر القائمين على شؤون اللاجئة من ناحية طاعة الزوجة لزوجها ويعللون السبب لوجود قوانين في تركيا تدعم المرأة، وبسبب دخول بعض النساء سوق العمل مما جعلها تتمرد على زوجها.

ويعتبرون أن اللجوء أثر سلبا على تربية الأولاد بسبب انشغال الأهالي بالعمل لساعات طويلة لتأمين لقمة عيشهم، وبسبب وسائل التواصل التي سيطرت على عقول الأطفال، وبسبب دخول الأطفال سوق العمل فكونوا شخصية مستقلة لهم، أضف إلى ذلك عدم وجود هدف لهم بسبب عدم تحقق الاستقرار المادي والنفسي والاجتماعي.

-وفيما يخص الحقوق المشتركة للزوجين أثر اللجوء سلبا على العلاقة الزوجية بين الزوجين ويرجع لأسباب عديدة منها (ضغط العمل الذي يعاني منه اللاجئ السوري، وضغط القوانين والحياة المرهقة في تركيا)، وكما أثر اللجوء على اللاجئين السوريين فبدؤوا يتبعون سياسة تحديد النسل فكان من المعتاد أن نرى في سورية لكل عائلة عدد كبير من الأطفال ولكن اختلف الأمر في تركيا ويمكن عزو ذلك لصعوبة الحياة وكلفتها في تركيا.

-و كان للجوء تأثيرا سلبيا فيما يخص الطلاق، حيث وفرت بيئة اللجوء إقدام بعض الرجال على الاستهتار بالطلاق لعدم وجود محاكم تجبرهم على أداء الحقوق المالية للزوجة، وبسبب عدم تسجيل الزواج رسميا في الدوائر الحكومية لتعقيد الإجراءات.

وتبين من الاستبيانات الموجهة للاجئة تخوفها من ظلم الزوج الجديد لأولاد زوجها السابق سواء كان متوفى عنها أو طليقها.

واتضح من خلال إجابات اللاجئات أن سبب الطلاق: إما العنف الذي يمارسه الزوج أو عدم العدل بين الزوجات.

وعليه يتبين أن عقد الزواج عقد مقدس وذو أهمية عند المسلمين على مرور الزمن لم يفقد هذه القيمة الكبيرة وكما ذكر الإمام القرافي رحمه الله في كتاب الذخيرة " إذا شرف الشيء وعظم في نظر الشرع كثّر شروطه، وشدّد في حصوله، تعظيماً له، لأن شأن كل عظيم القدر أن لا يحصل بالطرق السهلة، والنكاح لما شرف قدره بكونه سبب الإعفاف، ومن أعظم مغايظ الشيطان، ووسيلة لتكثير العباد، وحاسما لمواد الفساد، شدّد الشرع فيه باشتراط الصداق والولي والبينة"

فينبغي على اللاجئة السورية وأوليائها لضمان حقوقها الشرعية والقانونية أن يكون لديهم الاطلاع الكافي بقوانين بلد اللجوء فيما يخص الزواج والطلاق، وتسجيل عقد الزواج في البلدية وذلك لضمان حقها وحق أطفالها بقيود رسمية.

نبذة تعريفية عن الباحثة: نجاح علي الولي تخرجت من جامعة دمشق2012م كلية الحقوق، وحاصلة على الماجستير في الدراسات الإسلامية، مهتمة بالقضايا الأسرية، ومقيمة في تركيا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين